الآيات 1-5

مكية بلا خلاف: وهي خمس وأربعون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ، قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ، بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾

لم يعد أحد (ق) آية، وكذلك نظائره مثل (ن) وصلى الله عليه وآله لأنه من المفرد، وكل مفرد فإنه لا يعد لعبده عن شبه الجملة. وأما المركب فما أشبه الجملة ووافق رؤس الآي، فإنه يعد مثل (طه) و (حم) و (ألم) وما أشبه ذلك. و (قاف) قيل هو اسم للجبل المحيط بالأرض. وقيل: هو اسم من أسماء السورة ومفتاحها على ما بيناه في حروف المعجم. وهو الأقوى. وقيل: (ق) من قضى الامر و (حم) من حم أي دنا. وقوله " والقرآن " قسم من الله تعالى بالقرآن. وجواب القسم محذوف، وتقديره لحق الامر الذي وعدتم به انكم لمبعوثون، تعجبوا فقالوا " أئذا متنا وكنا ترابا "! وقيل: تقديره، ورب القرآن. واستدل بذلك على حدوثه، وهو خلاف الظاهر. والمجيد العظيم الكرم. ووصف القرآن وبعثه بأنه مجيد معناه انه عظيم القدر عالي الذكر. ويقال مجد الرجل ومجد مجدا وهما لغتان إذا عظم كرمه وأمجد كرمت فعاله، والمجيد في اسم الله تعالى العظيم الكرم، ومجده خلقه: عظموه بكرمه، ورجل ماجد عظيم الكرم. وتماجد القوم تماجدا، وذلك إذا تفاخروا باظهار مجدهم. والمجد مأخوذ من قولهم: مجدت الإبل مجودا، وذلك إذا عظمت بطونها لكثرة أكلها من كلا الربيع. وأمجد القوم إبلهم وذلك في الربيع، كأنهم أصابوا أكلا عظيما كريما قال الشاعر:

رفعت مجد تميم باهلال لها * رفع الطراف على العلياء بالعمد (1)

وقوله " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب " اخبار منه تعالى عن حال الكافرين الذين بعث الله إليهم النبي صلى الله عليه وآله من كفار قريش وغيرهم مخوفا لهم من معاصيه وترك طاعاته باستحقاق العقاب على ذلك وانه تعالى سيبعثهم ويجازيهم على ذلك بعد الموت، فقال الكافرون جوابا لهذا القول: هذا شئ عجيب، والتعجب بثير النفس تعظيم الامر الخارج عن العادة الذي لا يقع بسببه معرفة، يقال عجب عجبا وتعجب تعجبا، فالذي يتعجب منه عجب. وقيل: العجب هو كل مالا يعرف علته ولا سببه، وأفحش العجب التعجب مما ليس بعجب على طريق الانكار للحق، لأنه يجتمع فيه سببا القبيح، فهؤلاء تعجبوا من مجئ النذير من الله تعالى إليهم فقد فحشوا غاية التفحش، مع أنه مما يعظم ضرر الجهل به. ثم قالوا أيضا في الجواب عن ذلك أإذا متنا وخرجنا من كوننا أحياء وكنا ترابا يبعثنا الله!؟وحذف لدلالة الكلام عليه. ثم قالوا " ذلك رجع بعيد " أي يبعد عندنا أن نبعث بعد الموت، لان ذلك غير ممكن، فقال الله تعالى " قد علمنا ما تنقص الأرض منهم " أي علمنا الذي تأكل الأرض من لحومهم، لا يخفى علينا شئ منه " وعندنا كتاب حفيظ " أي ممتنع الذهاب بالبلى والدروس، كل ذلك ثابت فيه ولا يخفى منه شئ وهو اللوح المحفوظ ثم قال " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " يعني بالنبي والقرآن الذي جاء به دالا على صدقه، وبالبعث والنشور، الذي أنذرهم به فهم في أمر مريج أي مختلط ملتبس واصله ارسال الشئ مع غيره في المرج من قولهم: مرج الخيل الذكور مع الإناث وهو مرج بالخيل أي المسرح الذي يمرج فيه، و " مرج البحرين " أرسلهما في مرج " يلتقيان " ولا يختلطان. قوله " من مارج من نار " أي مرسل الشعاع بانتشاره. قال أبو ذؤيب:

فحالت فالتمست به حشاها * فخر كأنه غصن مريج (2)

أي قد التبس بكثرة تشعبه ومرجت عهودهم وأمرجوها أي خلطوها، ولم يفوا بها. وقال أبو عبيدة: مرج أمر الناس إذا اختلط، قال أبو ذؤيب (فخر كأنه خوط مريج) أي سهم مختلط الامر باضطرابه، فهؤلاء الكفار حصلوا في أمر مختلط ملتبس من أمر النبي صلى الله عليه وآله، فقالوا تارة هو مجنون وأخرى هو كاهن وأخرى هو شاعر، فلم يثبتوا على شئ واحد، فلذلك كانوا في أمر مريج.


1- مر في 6 / 34.

2- الطبري 26 / 86 وروايته (فحط كأنه حوط مريج).