الآية 40

قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾

" يا " حرف نداء " بني ": جمع ابن والابن، والولد، والنسل، والذرية متقاربة المعاني إلا أن الابن يقع على (1) الذكر، والولد يقع على الذكر والأنثى والنسل والذرية تقع على جميع ذلك وأصله، من البناء وهو وضع الشئ على الشئ والابن مبني على الأب تشبيها للبناء على الأصل، لان الأب أصل والابن فرع ويقال: تبنى تبنيا، وبنى بناء، وابتنى ابتناء، وباناه مباناة والبنوة: مصدر الابن - وإن كان من البناء (2) كما قالوا: الفتوة: مصدر الفتى وثنوا الفتى: فتيان ويقال: فلان ابن فلان، على التبني ولا يطلق ذلك الا على ما كان من جنسه وشكله تشبيها بالابن الحقيقي ولهذا لا يقولون: تبنى زيد حمارا، لما لم يكن من جنسه ولا تبنى شاب شيخا لما لم يكن ذلك فيه والفرق بين اتخاذ الابن وبين (3) اتخاذ الخليل، أن اتخاذ الخليل، يكون به خليلا على الحقيقة، لان بالمحبة والاطلاع على الاسرار المهمة يكون خليلا على الحقيقة وليس كذلك الابن لان البنوة في الحقيقة، إنما هي الولادة للابن و " بني " في موضع نصب، لأنه منادى مضاف و " إسرائيل " في موضع جر، لأنه مضاف إليه وفتح، لأنه أعجمي لا ينصرف، لان (إسرا) معناه: عبد و (ئيل) هو الله بالعبرانية فصار مثل عبد الله وكذلك جبرائيل، وميكائيل ومن حذف الألف من جبرائيل، حذفه للتعريب (4) كما يلحق (5) الأسماء التغيير إذا أعربت، فيلخصون حروفها على العربية وفي " إسرائيل " خمس لغات: حكى الأخفش: إسرال، بكسر الهمزة من غير ياء وحكي: أسرال، بفتح الهمزة ويقول بعضهم: إسريل، فيميلون وحكى قطرب اسرال، من غير همز ولا ياء، واسراين، بالنون والخامس - إسرايل، قراءة إلياس وحمزة وحده مد بغير ألف.

المعنى:

وقال أكثر المفسرين: إن المعنى، يا بني إسرائيل، أحبار اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله " ص " وهو المحكي عن ابن عباس وقال الجبائي: المعني به بنو إسرائيل من اليهود والنصارى ونسبهم إلى الأب الاعلى، كما قال: " يا بني آدم خذو زينتكم عند كل مسجد " (6).

اللغة:

قوله، " اذكروا " فالذكر، والتنبيه، والتيقظ نظائر ونقيضه: التغافل يقال: ذكره يذكره ذكرا وأذكره إذكارا واستذكره استذكارا وتذكره تذكرا وذكره تذكارا واذكر اذكارا وقال صاحب العين: الذكر: الحفظ للشئ تذكره تقول: هو مني على ذكر والذكر: جري الشئ على لسانك تقول: جرى منه ذكر والذكر: الشرف، والصيت لقوله: " وإنه لذكر لك ولقومك " (7) والذكر: الكتاب الذي فيه تفصيل الدين وكل كتاب من كتب الأنبياء ذكر والذكر: الصلاة، والدعاء وقيل: كانت الأنبياء إذا حزنهم أمر فزعوا إلى الذكر أي الصلاة، يقومون فيصلون وذكر الحق: هو الصك والذكرى: هو اسم للتذكير والذكر: ذكر الرجل معروف والجمع: الذكرة ولهذا سمي ما ينسب إليه، المذاكير ولا يفرد وإن أفرد فمذكر، مثل مقدم ومقاديم والذكر: خلاف الأنثى وجمعه: ذكور، وذكران ومن الدواب، ذكورة لا غير والذكر من الحديد: أيبسه وأشده ولذلك يسمى السيف، مذكر وامرأة مذكرة، وناقة مذكرة: إذا كانت خلقتها تشبه خلقة الذكر، وأشبهته في شمائلها وامرأة مذكار: إذا أكثرت ولادة الذكور وعكسه: مئناث ويقال للحبلى: أيسرت، وأكثرت أي يسر عليها، وولدت ذكورا والذكر: ضد النسيان ورجل ذكر: شهم من الرجال، ماهر في أموره واصل الباب: الذكر الذي هو التنبيه على الشئ والذكر: الوصف بالمدح والثناء أو بالمدح والهجاء وقوله: " نعمتي " المراد بها الجماعة كما قال تعالى: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (8) والنعمة وإن كانت على أسلافهم جاز أن تضاف إليهم كما يقول القائل إذا فاخره غيره: هزمناكم يوم ذي قار، وقتلناكم يوم الفجار، وبددنا جمعكم يوم النار والمراد بذلك، جميع النعم الواصلة إليهم، مما اختصوا به، دون آبائهم، أو اشتركوا فيه معهم، وكان نعمة على الجميع فمن ذلك تبقية آبائهم حتى تناسلوا، فصاروا من أولادهم ومن ذلك، خلقه إياهم على وجه يمكنهم الاستدلال على توحيده، والوصول إلى معرفته، فيشكروا نعمه، ويستحقوا ثوابه ومن ذلك ما لا يحلون في كل وقت من منفعة ودفع مضرة:

فالقول الأول: هو التذكير بالنعمة عليهم في أسلافهم.

والقول الثاني: تذكير جميع النعم عليهم والنعم التي على أسلافهم، ما ذكر في قوله تعالى: " وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وأتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين " (9) وقوله: " أوف بعهدكم " قي موضع جزم، لأنه جواب الامر.

اللغة:

قال صاحب العين: تقول وفيت بعهدك وفاء ولغة أهل تهامة: أوفيت بعهدك وهي القرآن قال الشاعر في الجمع بين اللغتين:

أما ابن عوف فقد أوفى بذمته * كما وفى بقلاص النجم حاديها

يعني به الدبران وهو التالي وتقول: وفى، يفي وفاء وأوفى، يوفي ايفاء واستوفى، استيفاء وتوفى، توفيا ووفى، توفية وتوافى، توافيا ووافاه موافاة وكل شئ بلغ تمام الكلام فقد وفى وتم وكذلك درهم واف، لأنه درهم وفى مثقالا وكيل واف ورجل وفا: ذو وفاء وأوفى فلان على شرف من الأرض إذا أشرف فوقها وتقول: أوفيته حقه ووفيته اجره والوفاة: المنية توفى فلان، وتوفاه الله: إذا قبض نفسه واصل الباب: الوفاء وهذا هو الاتمام ومن أكرم أخلاق النفس الوفاء ومن أدونها وأرذلها الغدر.

المعنى:

ومعنى قوله: " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال ابن عباس: أوفوا بما أمرتكم من طاعتي، ونهيتكم عن معصيتي في النبي صلى الله عليه وآله وغيره: " أوف بعهدكم " اي ارضى عنكم، وأدخلكم الجنة وسمي ذلك عهدا، لأنه تقدم بذلك إليهم في الكتب السابقة كما قال: " يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " (10) والعهد: هو العقد عليهم في الكتاب السابق بما أمروا به، ونهوا عنه قال بعضهم: إنما جعله عهدا، لتأكيده بمنزلة العهد الذي هو اليمين قال الله تعالى: " وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " (11) وقال الحسن: العهد الذي عاهدهم عليه حيث قال: " خذوا ما آتيناكم بقوة " اي بجد " واذكروا ما فيه " اي ما في الكتاب في قوله: " ولقد اخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي+.إلى آخر الآية " (12) وقال الجبائي: جعل تعريفه إياهم نعمه عهدا عليهم وميثاقا لأنه يلزمهم القيام بما يأمرهم به من شكر هذه النعمة، كما يلزمهم الوفاء بالعهد، والميثاق الذي يأخذ عليهم والقول الأول أقوى، لان عليه أكثر المفسرين، وبه يشهد القرآن قوله: " وإياي ".

الاعراب:

" وإياي " ضمير منصوب ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله: " فارهبون "، لأنه مشغول كما لا يجوز في قولك: زيدا فاضربه أن يكون منصوبا بقوله: فاضربه لكنه يكون منصوبا بفعل دل عليه ما هو مذكور في اللفظ تقديره: وإياي ارهبوا ولا يظهر ذلك، للاستغناء عنه بما يفسره، وإن صح تقديره: ولا يجوز في مثل ذلك الرفع على أن يكون الخبر " فارهبون " إلا على تقدير محذوف كما أنشد سيبويه: وقائلة:

خولان فانكح فتاتهم * وأكرومة الحيين خلو

كما هيا تقديره: وقائلة: هذه خولان وعلى هذا، حمل قوله: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (13) وقوله: " والزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما " (14) تقديره مما يتلى عليكم، السارق والسارقة وفيما فرض عليكم، الزانية والزاني وقوله: " فارهبون ".

اللغة:

فالرهبة، والخشية، والمخافة، نظائر وضدها: الرغبة تقول: رهب رهبة: وأرهبه: إرهابا، ورهبه، ترهيبا واسترهب، استرهابا ويقال: رهب فلان يرهب رهبا، ورهابا، ورهبة: إذا خاف من شئ ومنه اشتقاق الراهب والاسم: الرهبة ومن أمثالهم: رهبوت خير من رحموت أي ترهب خير من أن ترحم والترهب: التعبد في صومعة الجمع: الرهبان والرهبانية: خطباء والفرق بين الخوف والرهبة: أن الخوف هو الشك في أن الضرر يقع أم لا والرهبة: معها العلم بأن الضرر واقع عند شرط، فإن لم يحصل ذلك الشرط، لم يقع واختير تحريك الياء في قوله: " نعمتي التي أنعمت " لأنه لقيها ألف ولام فلم يكن بد من اسقاطها أو تحريكها، وكان التحريك أولى، لأنه أدل على الأصل وأشكل بما يلزم اللام في الاستئناف، من فتح ألف الوصل، واسكان الياء في قوله: " يا عبادي الذين أسرفوا " أجود، لان من حق الإضافة، ألا تثبت في النداء وإذا لم تثبت فلا سبيل إلى تحريكها وقوله: " فبشر عبادي الذين يستمعون " الاختيار حذف الياء، لأنه رأس آية ورؤوس الآي لا يثبت فيها الياء، لأنها فيه أصل ينوى فيها الوقف كما يفعل ذلك في القوافي ومثل قوله: " نعمتي التي " قوله: " أخي اشدد " في أن الاختيار تحريك الياء، وإن كان مع الألف واللام أقوى، لما تقدم ذكره مع المشاكلة والراد إلى الأصل وفي " أخي اشدد ": سبب واحد، وهو انه أدل على الأصل واجمعوا على اسقاط الياء من قوله " فارهبون " الا ابن كثير، فإنه أثبتها في الوصل دون الوقف والوجه حذفها لكراهية الوقف على الياء وفي كسر النون دلالة على ذهاب الياء.


1- في المخطوطة (يقع على) ساقطه.

2- في المطبوعة (من الياء).

3- في المطبوعة (وبين) ساقطة.

4- في المخطوطة (للتعريف).

5- في المخطوطة (كما لا يلحق).

6- سورة الأعراف آية 3.

7- الزخرف آية 44.

8- سورة إبراهيم آية 34. وسورة النحل: آية 18.

9- سورة المائدة: آية 22.

10- سورة البقرة: آية 146.

11- سورة آل عمران: آية 187.

12- سورة المائدة 13.

13- سورة المائدة: آية 41.

14- سورة النور: آية 20.