الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو " بما يعملون بصيرا " بالياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب لما ذكر الله تعالى انه وعد المؤمنين مغانم كثيرة يأخذونها وانه عجل لهم هذه منها، يعني غنائم خيبر وعدهم بالغنائم الاخر، فقال (وأخرى لم تقدروا عليها) أي وغنيمة أخرى - عن ابن عباس والحسن - إنها فارس والروم. وقال قتادة: هي مكة (قد أحاط الله بها) أي قدر الله عليها وأحاط بها علما فجعلهم بمنزلة ما قد أدير حولهم بما يمنع ان يفلت أحد منهم (وكان الله على كل شئ قديرا) أي ما يصح أن يكون مقدورا له، فهو قادر عليه. ثم قال (ولو قاتلكم الذين كفروا) يعني من قريش يا معشر المؤمنين (لولوا الادبار) منهزمين بخذلانه إياهم ونصرة الله إياكم، ومعونته لكم - في قول قتادة - (ثم لا يجدون) يعني الكفار (وليا) يواليهم (ولا نصيرا) يدفع عنهم. وقوله (سنة الله التي قد خلت من قبل) معناه سنة الله جارية في خذلانه أهل الكفر ونصرة أهل الايمان في ما مضى من الأمم السالفة، ونصره هو أمره بالقتال (ولن تجد) يا محمد " لسنة الله تبديلا " أي لن تجد لسنة الله ما يدفعها فالسنة الطريقة المستمرة في معنى ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها. ومن سن سنة سيئة فعليه اثمها واثم من عمل بها) والتبديل رفع أحد الشيئين وجعل الآخر مكانه، في ما حكم أن يستمر على ما هو به ولو رفع الله حكما يأتي بخلافه لم يكن تبديلا لحكمه لأنه لا يرفع شيئا إلا في الوقت الذي تقتضي الحكمة رفعه، وقال ابن عباس: كان المشركون بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين، فأتى بهم رسول الله، فخلى سبيلهم، وهو المراد بقوله " وهو الذي كف أيديهم عنك " بالرعب " وأيديكم عنهم " بالنهي نزلت في أهل الحديبية وأهل مكة، لا في أهل خيبر. وقيل لهم ينهوا عن قتالهم، لأنهم لا يستحقون القتل بكفرهم وصدهم لكن للابقاء على المؤمنين الذين في أيديهم " ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " يعني فتح مكة " وكان الله بما تعملون بصيرا " يدبركم بحسب ما تقتضيه مصالحكم وقوله " هم الذين كفروا " أي بوحدانية الله، وهم كفار قريش " وصدوكم عن المسجد الحرام " في الحديبية، وصدوكم أن تعتمروا وتطوفوا بالبيت " والهدي معكوفا أن يبلغ محله " أي المحل الذي يحل نحره فيه. والمعكوف المحبوس أي منعوا الهدي أيضا ليذبح بمكة، لان هدي العمرة لا يذبح إلا بمكة كما لا يذبح هدي الحج إلا بمنى، ثم قال " ولولا رجال مؤمنون " بالله ومصدقون بالنبي " ونساء مؤمنات " مثل ذلك بمكة - في قول قتادة - " لم تعلموهم " أي لم تعلموا بايمانهم " أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم " أي ينالكم أثم لأجلهم من غير علم منكم بذلك - في قول ابن زيد - وقال قوم: معناه عنت. وقال ابن إسحاق: هو غرم الدية في كفارة قتل الخطأ عتق رقبة مؤمنة ومن لم يطق فصيام شهرين، وهو كفارة قتل الخطأ في الحرب. وجواب لولا محذوف، وتقديره ولولا المؤمنون الذين لم تعلموهم لوطئتم رقاب المشركين بنصرنا إياكم. والمعكوف الممنوع من الذهاب في جهة بالإقامة في مكانه، ومنه الاعتكاف، وهو الإقامة في المسجد للعبادة، وعكف على هذا الامر يعكف عكوفا إذا أقام عليه. وقوله " ليدخل الله في رحمته من يشاء لو نزيلوا " أي لو تميز المؤمنون منهم، وقيل لو تفرقوا والمعنى واحد " لعذبنا الذين كفروا منهم " يعني من أهل مكة " عذابا أليما " بالسيف والقتل والأليم المؤلم، وكان النبي صلى الله عليه وآله: ساق سبعين بدنة في عام الحديبية، ودخل في العام المقبل لعمرة القضاء في الشهر الذي صد فيه ونزل قوله " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " (1) ذكره قتادة.


1- سورة 2 البقرة آية 194.