الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو " وأملي لهم " على ما لم يسم فاعله. الباقون " وأملى لهم " بمعنى الشيطان أملى لهم ويجوز أن يريد ان الله أملى لهم كما قال " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم " (1) وقرأ يعقوب مثل أبي عمرو إلا أنه أسكن الياء بمعنى الاخبار عن الله عن نفسه وأبو عمرو جعله لما لم يسم فاعله. وقرأ رويس " توليتم " بضم التاء والواو وكسر اللام. الباقون بفتحهما. وقوله " طاعة وقول معروف " قيل في معناه قولان:

أحدهما: قولوا أمرنا طاعة وقول معروف. قال مجاهد أمر الله بذلك المنافقين. وقيل هو حكاية عنهم أنهم يقولون " طاعة وقول معروف " مثل فرض الجهاد. لأنه يقتضيه قوله " فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم "

الثاني: طاعة وقول معروف أمثل أي أولى بالحق من أقوال هؤلاء المنافقين وقيل: طاعة وقول معروف خير لهم من جزعهم عند نزول فرض الجهاد - ذكره الحسن - والطاعة موافقه الإرادة الداعية إلى الفعل بطريق الترغيب فيه. والقول المعروف هو القول الحسن، وسمي بذلك لأنه معروف صحته، وكذلك الامر بالمعروف أي المعروف أنه حق. والباطل منكر، لأنه تنكر صحته، فعلى هذا المعنى وقع الاعتراف والانكار. وقوله " فإذا عزم الامر " معناه إذا انعقد الامر بالإرادة انه يفعله فإذا عقد على أنه يفعل قيل عزم الامر على طريق البلاغة. وقيل معنى عزم أي جد الامر (فلو صدقوا الله) يعني في ما أمرهم به من القتال وامتثلوا أمره (لكان خيرا لهم) لأنهم كانوا يصلون إلى نعيم الأبد. ثم خاطبهم فقال " فهل عسيتم " يا معشر المنافقين أن توليتم. وقيل في معناه قولان:

أحدهما: " إن توليتم " الاحكام وجعلتم ولاة " أن تفسدوا " في الأرض بأخذ الرشا. وقيل أن أعرضتم عن كتاب الله ان تعودوا إلى ما كنتم من أمر الجاهلية أن يقتل بعضكم بعضا كما كنتم تفعلونه

الثاني: ان توليتم الامر أن يقطع بعضكم رحم بعض، ويقتل بعضكم بعضا كما قتلت قريش بني هاشم، وقتل بعضهم بعضا. وقيل المعنى ان أعرضتم عن كتاب الله والعمل بما فيه من وجوب القتال " أن تفسدوا في الأرض " بان تعملوا فيها بالمعاصي " وتقطعوا أرحامكم " فلا تصلونها، فان الله تعالى يعاقبكم عليه بعذاب الأبد ويلعنكم. ثم قال " أولئك الذين لعنهم الله " أي أبعدهم الله عن رحمته " فأصمهم وأعمى أبصارهم " أي سماهم عميا وصما، وحكم عليهم بذلك، لأنهم بمنزلة الصم والعمي من حيث لم يهتدوا إلى الحق ولا أبصروا الرشد، ولم يرد الاصمام في الجارحة والاعماء في العين، لأنهم كانوا بخلافه صحيحي العين صحيحي السمع. ثم قال موبخا لهم " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " معناه أفلا يتدبرون القرآن بأن يتفكروا فيه ويعتبروا به أم على قلوبهم قفل يمنعهم من ذلك تنبيها لهم على أن الامر بخلافه. وليس عليها ما يمنع من التدبر والتفكر والتدبر في النظر في موجب الامر وعاقبته، وعلى هذا دعاهم إلى تدبر القرآن. وفى ذلك حجة على بطلان قول من يقول لا يجوز تفسير شئ. من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع. وفيه تنبيه على بطلان قول الجهال من أصحاب الحديث انه ينبغي ان يروى الحديث على ما جاء وإن كل مختلا في المعنى، لان الله تعالى دعا إلى التدبر والفقه وذلك مناف للتاجل والتعامي. ثم قال " إن الذين ارتدوا على ادبارهم " أي رجعوا عن الحق والايمان " من بعد ما تبين لهم الهدى " أي ظهر لهم الطريق الواضح المفضي إلى الجنة. وليس في ذلك ما يدل على أن المؤمن على الحقيقة يجوز ان يرتد، لأنه لا يمتنع أن يكون المراد من رجع عن إظهار الايمان بعد وضوح الامر فيه وقيام الحجة بصحته. ثم قال " الشيطان سول لهم " أي زين لهم ذلك. وقيل: معناه أعطاهم سؤلهم من خطاياهم " وأملى لهم " أي أمهلهم الشيطان، وأملى لهم بالأطماع والاغترار. وقيل: المعنى وأملى الله لهم أي اخرهم فاغتروا بذلك. ومن قرأ - على ما لم يسم فاعله - احتمل الامرين أيضا. وقيل الآية نزلت في اليهود، لأنهم عرفوا صفات النبي صلى الله عليه وآله في التوراة فلما جاءهم كفروا به. وقيل نزلت في المنافقين حين صدوا عن القتال معه من بعد ما علموا وجوبه في القرآن.


1- سورة 3 آل عمران آية 178.