الآيات 6-10

قوله تعالى: ﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾

لما خبر الله تعالى انه سيهدي المؤمنين إلى طريق الجنة، ويصلح حالهم فيها، بين أنه أيضا (يدخلهم الجنة عرفها لهم) وقيل في معنى (عرفها لهم) قولان:

أحدهما: بأنه عرفها لهم بان وصفها على ما يسوق إليها، ليعملوا بما يستوجبونها به من طاعة الله واجتناب معاصيه

الثاني: عرفها لهم بمعنى طيبها بضروب الملاذ، مشتقا من العرف، وهي الرائحة الطيبة التي تتقبلها النفس تقبل ما تعرفه ولا تنكره. وقال أبو سعيد الخدري وقتادة ومجاهد وابن زيد: معناه انهم يعرفون منازلهم فيها كما كانوا يعرفون منازلهم في الدنيا. وقال الحسن: وصف الجنة في الدنيا لهم، فلما دخلوها عرفوها بصفتها. ثم خاطب المؤمنين فقال (يا أيها الذين آمنوا) بتوحيد الله وصدقوا رسوله (إن تنصروا الله ينصركم) ومعناه إن تنصروا دينه بالدعاء إليه، واضافه إلى نفسه تعظيما كما قال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) (1) وقيل معناه (تنصروا الله) تدفعوا عن نبيه (ينصركم) الله، أي يدفع عنكم أعداءكم في الدنيا عاجلا، وعذاب النار آجلا (ويثبت أقدامكم) في حال الحرب. قيل: ويثبت أقدامكم يوم الحساب. ثم قال (والذين كفروا) بنعم الله وجحدوا نبوة نبيه (فتعسا لهم) أي خزيا لهم وويلا لهم، فالتعس الانحطاط والعثار عن منازل المؤمنين (وأضل اعمالهم) أي أهلكها وحكم عليها بالضلال. وإنما كرر قوله (وأضل أعمالهم) و (احبط أعمالهم) تأكيدا، ومبالغة في الزجر عن الكفر والمعاصي وكرر ذكر النعيم إذا ذكر المؤمنين مبالغة في الترغيب في الطاعات. وإنما عطف قوله (وأضل) وهو (فعل) على قوله (فتعسا) وهو اسم، لان المعنى أتعسهم الله وأضل اعمالهم فلذلك حسن العطف. ثم بين تعالى لم فعل ذلك، فقال فعلنا (ذلك) جزاء لهم على معاصيهم (بأنهم كرهوا ما انزل الله) من القرآن والاحكام وأمرهم بالانقياد لها، فخالفوا ذلك (فأحبط أعمالهم) من أجل ذلك أي حكم ببطلانها، لأنها وقعت على خلاف الوجه الأمور به. ثم نبههم على الاستدلال على صحة ما دعاهم إليه من توحيده وإخلاص العبادة له، فقال (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) حين أرسل الله إليهم الرسل فدعوهم إلى توحيده وإخلاص العبادة له، فلم يقبلوا منهم وعصوهم وعملوا بخلافه، فأهلكهم الله جزاء على ذلك (ودمر عليهم) مثل ما فعل بعاد وثمود وقوم لوط وأشباههم. ثم قال (وللكافرين) بك يا محمد إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه (أمثالها) أي أمثال تلك العقوبات أي هم يستحقون مثلها، وإنما يؤخر عذابهم تفضلا منه.


1- سورة 2 البقرة آية 245 وسورة 57 الحديد آية 11.