الآيات 31-35
قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾
القراءة:
قرأ يعقوب " يقدر " بالياء جعله فعلا مستقبلا. الباقون - بالياء - اسم فاعل. لما حكى الله تعالى أن نفرا من الجن استمعوا القرآن وتدبروه ورجعوا به إلى قومهم مخوفين لهم من معاصي الله وأنهم قالوا إنا سمعنا كتابا يعني القرآن انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يعني التوراة يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، حكى انهم قالوا أيضا " يا قومنا أجيبوا داعي الله " يعنون محمدا صلى الله عليه وآله إذ دعاهم إلى توحيده وخلع الأنداد دونه، وقال قوم: يجوز أن يكون المراد كل من دعا إلى الله تعالى. والإجابة موافقة الفعل الدعاء إليه بأنه عمل من أجله، ولهذا لا تكون موافقة الكافر - وإن كان إذا دعا به - إجابة له إذ لم يعمل من أجل دعائه إليه، وإنما عمل لامر آخر. وعلى هذا قال بعضهم: إنه لا يجيب الله دعاء الكافر لان فيه إجلالا له كمالا يعمل شيئا لان فيه مفسدة. فان قيل: لو أن الكافر دعا إلى حق هل تلزم اجابته؟قلنا: يجب العمل بما يدعو إليه، ولا تلزم إجابته، وإنما يجب العمل به، لأنه حق. وقيل: يجوز إجابته إذا لم يكن فيه مفسدة. وقالوا لهم " آمنوا به " أي آمنوا بالله " يغفر لكم من ذنوبكم " (من) زائدة، والمعنى يغفر لكم ذنوبكم " ويجركم من عذاب اليم " فالإجارة من النار جعلهم في جوار الأولياء المباعدين من النار. وفي الدعاء: اللهم أجرني من النار واللهم أعذني منها. ثم قالوا أيضا " ومن لا يجب داعي الله " تاركا له إلى خلافه " فليس بمعجز " أي بفائت " في الأرض وليس له من دونه أولياء " ينصرونهم ويدفعون عنهم العذاب إذا نزل بهم، ويجوز أن يكون ذلك من كلام الله ابتداء. ثم قال " أولئك " يعني الذين لا يجيبون داعي الله " في ضلال " أي في عدول عن الحق " مبين ". ثم قال تعالى منبها لهم على قدرته على الإعادة والبعث " أو لم يروا " أي أو لم يعلموا " ان الله الذي خلق السماوات والأرض " وأنشأهما " ولم يعي بخلقهن " أي لم يصبه في خلق ذلك إعياء ولا تعب " بقادر " فالباء زائدة وموضعه رفع بأنه خبر (أن) ودخول الباء في خبر (ان) جائز إذا كان أول الكلام نفيا نحو ما ظننت أن زيدا بقائم ولو قلت: إن زيدا بقائم لا يجوز، لأنه إثبات " على أن يحيي الموتى " ثم قال " بلى " هو قادر عليه " إنه على كل شئ قدير " ثم قال " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق " أي يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أليس هذا الذي جزيتم به حق لا ظلم فيه لأنكم شاهدتموه الآن " قالوا بلى وربنا " فيحلفون على ذلك، فيقال لهم عند ذلك " ذوقوا العذاب " جزاء " بما كنتم تكفرون " أي بما كنتم تجحدون من نعمه وتنكرون من وحدانيته ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " فاصبر " يا محمد على أذى هؤلاء الكفار على ترك إجابتهم لك " كما صبر أولوا العزم من الرسل " قبلك على أممهم. وقال قوم: أولوا العزم هم الذين يثبتون على عقد القيام بالواجب واجتناب المحارم، فعلى هذا الأنبياء كلهم أولوا العزم، ومن قال ذلك جعل (من) ههنا للتبيين لا للتبعيض. ومن قال: إن أولى العزم طائفة من الرسل وهم قوم مخصوصون قال (من) ههنا للتبعيض وهو الظاهر في روايات أصحابنا، وأقوال المفسرين، ويريدون بأولي العزم من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدم من الأنبياء، قالوا وهم خمسة أولهم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وآله. ثم قال " ولا تستعجل لهم " العقاب " كأنهم يوم يرون ما يوعدون " من يوم القيامة لقرب مجيئه " لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " من قلة لبثهم في الدنيا. وقوله " بلاغ " قيل في معناه قولان:
أحدهما: ذلك اللبث بلاغ.
الآخر: هذا القرآن بلاغ. ثم قال " فهل يهلك " بهذا النوع من الاهلاك على وجه الاستحقاق " إلا القوم الفاسقون " الذين خرجوا من طاعة الله إلى معصيته ومن ولايته إلى عداوته.