الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾

القراءة:

قرأ عاصم وحمزة وخلف (لا يرى) بالياء مضمومة، على ما لم يسم فاعله (إلا مساكنهم) برفع النون. الباقون - بالتاء - ونصب النون. من ضم الياء فعلى ما لم يسم فاعله. ومن فتح التاء، فعلى الخطاب، والمعنيان متقاربان. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (واذكر) يا محمد (أخا عاد) يعني هودا عليه السلام (إذ أنذر قومه) أي خوفهم من الكفر بالله وحذرهم معاصيه ودعاهم إلى طاعته (بالأحقاف) قال ابن عباس: هو واد بين عمان ومهوة، وقال ابن إسحاق: الأحقاف الرمل في ما بين عمان إلى حضرموت. وقال قتادة: الاحقاق رمال مشرفة على البحر بالشجر من اليمن، وقال الحسن: الأحقاف أرض خلالها رمال. وقال الضحاك: جبل بالشام يسمى بذلك، قال العجاج: بات إلى ارطات حقف أحقفا (1) أي رمل مشرف، وقال ابن زيد: الحقف الرمل يكون كهيئة الجبل. وقال المبرد: الحقف هو كثيب المكثر غير العظيم وفيه اعوجاج، قال العجاج: سماوة الهلال حتى احقوقفا (2) وهو انحناؤه. وقوله (وقد خلت النذر) أي مضت الرسل (من بين يديه ومن خلفه) أي قدامه ووراءه (ألا تعبدوا إلا الله) أي أنذرهم وخوفهم بان لا تعبدوا إلا الله. وقال لهم (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) يعني عذاب يوم القيامة. ثم حكى ما أجاب به قومه وانهم (قالوا أجئتنا) يا هود (لتأفكنا) أي لتلفتنا وتصرفنا (عن) عبادة (آلهتنا) بالكذب والافك (فأتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت) صادقا (من الصادقين) فانا لا نصدقك في ما تقوله، فقال هود لهم (إنما العلم عند الله) يريد العلم بوقت إنزال العذاب بكم عند الله، وهو العالم به ولا أعلمه مفصلا (وأبلغكم ما أرسلت به) أي أؤدي إليكم ما بعثت به إليكم من الدعاء إلى عبادة الله وإخلاص القربة إليه، فلست أراكم تقبلون ذلك (ولكني أراكم قوما تجهلون) أي تفعلون ما يفعله الجهال. وقوله " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم " معناه فلما رأو العذاب وشاهدوه أطل عليهم " قالوا هذا عارض " أي سحاب " ممطرنا " والعارض المار بمعنى انه لا يلبث من خير أو شر، فلما رأو العارض ظنوا انه عارض خير بالمطر، فقيل لهم ليس الامر كما ظننتم " بل هو ما استعجلتم " أي هو عارض من العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه مكذبين به، وقال (عارض) نكرة و (ممطرنا) معرفة، وإنما وصفه به لان التقدير ممطر إيانا، كقولك: مررت برجل مثلك أي مثل لك ثم فسره فقال " هو ريح فيه عذاب عظيم " أي مؤلم، وسمي السحاب عارضا، لاخذه في عرض السماء، وقال الأعشى:

يامن رأى عارضا قدبت أرمقه * كأنما البرق في حافاته الشعل (3)

وقيل: كانت الريح ترفع الظعينة بحملها حتى ترى كأنها جرادة - في قول عمرو بن ميمون - وقوله تعالى " تدمر كل شئ " أي تخرب وتلقي بعض الأشياء على بعض حتى تهلك، قال جرير:

وكان لهم كبكر ثمود لما رغا * ظهرا فدمر هم دمارا (4).

وقوله " فأصبحوا " يعني أهل الأحقاف " لا يرى إلا مساكنهم " وما عداها قد هلك. فمن فتح التاء نصب النون من (مساكنهم) على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله. ومن ضم الياء ضم النون وتقديره فأصبحوا لا يرى شئ في مساكنهم وقرأ الحسن بالتاء والضم. وقال النحويون: القراءة بالياء ضعيفة في العربية، لان العرب تذكر ما قبل (الا) في الجحد، فتقول: ما قام إلا أختك، لان المحذوف (أحد) وتقديره ما قام أحد إلا أختك قامت. ثم قال تعالى مثل ما أهلكنا أهل الأحقاف وجازيناهم بالعذاب " كذلك نجزي القوم المجرمين " الذين سلكوا مسلكهم.


1- تفسير القرطبي 16 / 203 ومجاز القرآن 2 / 213 والطبري 26 / 15.

2- تفسير القرطبي 16 / 203 وقد مر في 6 / 79 و 8 / 29.

3- ديوانه (دار بيروت) 146.

4- تفسير الطبري 26 / 16.