الآيات 11-15

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ، وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير - في إحدى الروايتين عنه - ونافع وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب (لتنذر) بالتاء على وجه الخطاب. ويجوز أن يكون مردودا إلى اللسان وهو مؤنث. الباقون بالياء على وجه الاخبار عن الكتاب أو القرآن. وقرأ أهل الكوفة (إحسانا) بألف. الباقون (حسنا) بضم الحاء بلا ألف. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وأبو عمرو (كرها) بفتح الكاف. الباقون بضمها، وهما لغتان. وقرأ يعقوب (وفصله) بفتح الفاء وسكون الصاد من غير الف. الباقون (وفصاله) بكسر الفاء وإثبات ألف، وهما لغتان وباثبات الألف كلام العرب. وفي الحديث (لا رضاع بعد فصال) وروى بعد (فطام). اخبر الله تعالى عن الكفار الذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا نبيه محمد صلى الله عليه وآله أنهم قالوا (للذين آمنوا) وصدقوا رسوله (لو كان) هذا الذي يدعوننا هؤلاء المسلمون إليه: محمد ومن اتبعه (خيرا) أي نفعا عاجلا أو آجلا يظهر لنا ذلك (ما سبقونا) يعني الكفار الذين آمنوا به (إليه) أي إلى اتباعه لأنا كنا بذلك أولى وبه اجرى، وحكى ان اسلم وغفار وجهينة ومزينة لما اسلموا قال بنو عامر ابن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع هذا القول، فحكاه الله. والسبق المصير إلى الشئ قبل غيره، وكذلك السابق إلى الخير والتابع فيه، فقال الله تعالى (وإذ لم يهتدوا به) يعني هؤلاء الكفار بهذا القرآن ولا استبصروا به ولا حصل لهم العلم بأنه مرسل داع إلى الله (فسيقولون هذا أفك قديم) أي كذب متقدم حيث لم يهتدوا به، وصفه بالقديم للمبالغة في التقدم أي ليس أول من ادعى الكذب في ذلك بل قد تقدم أشباهه. والقديم في عرف اللغة هو المتقدم الوجود، وفى عرف المتكلمين هو الموجود الذي لا أول لوجوده. ثم قال تعالى (ومن قبله) يعني من قبل القرآن (كتاب موسى) يعني التوراة (إماما ورحمة) أي جعلناه إماما ورحمة وأنزلناه إماما يهتدى به ورحمة أي نعمة على الخلق. ثم قال (وهذا) يعني القرآن (كتاب مصدق) لذلك الكتاب (لسانا عربيا) نصبه على الحال، ويجوز أن يكون حالا من هذا الكتاب ويجوز أن يكون حالا لما في (مصدق) من الضمير. وقوله (لينذر الذين ظلموا) أي ليخوفهم، ويعلمهم استحقاق العقاب على المعاصي واستحقاق الثواب على الطاعات. فمن قرأ بالتاء جاز أن يكون خطابا للنبي صلى الله عليه وآله ويجوز أن يكون ردا على اللسان على ما قدمناه، وهو مؤنث. ومن قرأ بالياء رده إلى الكتاب الذي هو القرآن. وقوله (وبشرى للمحسنين) معناه أن يكون هذا القرآن بشارة لمن فعل الصالحات واختار الحسنات، ويجوز في (بشرى) أن يكون رفعا عطفا على (مصدق) ويجوز أن يكون نصبا لوقوعه موقع (وبشيرا) فيكون حالا، كما تقول: اتيتك لأزورك وكرامة لك وقضاء لحقك. ثم اخبر تعالى (إن الذين قالوا) بلسانهم (ربنا الله) واعتقدوا ذلك بقلوبهم (ثم استقاموا) على ذلك لم يعدلوا عنه (فلا خوف عليهم) من العقاب في الآخرة (ولا هم يحزنون) من أهوال القيامة. ثم اخبر عنهم فقال (أولئك) يعني من تقدم ذكرهم (أصحاب الجنة) أي الملازمون لها (خالدين فيها جزاء) لهم (بما كانوا يعلمون) في الدنيا من الطاعات. ثم قال تعالى (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) أي امرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا. فمن قرأ بلا الف فالمعنى أن يحسن فعله معهما حسنا، فالحسن والحسن. لغتان، يقال: حسن يحسن حسنا ومن قرأ " إحسانا " جعله مصدر أحسن ". وكرها " بفتح الكاف المصدر وبضمها الاسم. وقيل هما لغتان. وقوله " حملته أمه كرها ووضعته كرها " قال الحسن وقتادة ومجاهد: أي بمشقة. ثم قال " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " نبه بذلك على ما يستحقه الوالدان من الاحسان اليهما ومعاملتهما من حيث أنهما تكفلا به وربياه، وانه " حملته أمه كرها ووضعته كرها " أي بمشقة في حال الولادة وأرضعته مدة الرضاع. ثم بين ان أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا، وأنهما تكفلا به حتى بلغ حد الكمال " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " قيل أكثر الفصال وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا وأقل مدة الحمل ستة اشهر، والمعنى وصية بذلك ليكون إذا بلغ أشده أي حال التكليف وحال الأربعين، قال هذا القول علمه الله إياه. وقال قتادة وابن عباس: أشده ثلاث وثلاثون سنة. وقال الشعبي: هو وقت بلوغ الحلم. وقال الحسن: أشده وقت قيام الحجة عليه. ثم " قال رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي " فالايزاع المنع من الانصراف عن الشئ فالايزاع الشكر المنع من الانصراف عنه باللطف، ومنه قولهم يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقرآن. ومنه قول الحسن: لابد للسلطان من وزعة. قال النابغة:

على حين عاتبت المشيب على الصبا * فقلت ألما تصح والشيب وازع اي مانع.

وقيل: إيزاع الشكر هو الهام الشكر وقيل الأعزاء بالشكر " وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين " تمام ما علمه الله للانسان ووصاه ان يدعو به إذا بلغ أشده: أن يقول: إني تائب إلى الله من المعاصي وإني من جملة المسلمين لامر الله.