الآيات 6-10
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
لما قال تعالى إنه لا أحد أضل عن طريق الحق ممن يدعو من لا يستجيب له، يعني الأصنام التي عبد وها وإنهم عن دعائهم غافلون أيضا، ذكر انه " إذا حشر الناس " يوم القيامة وبعثهم الله للثواب والعقاب " كانوا لهم أعداء " يعني هذه الأوثان التي عبد وها ينطقهم الله حتى يجحدوا أن يكونوا دعو إلى عبادتها أو شعرت بذكر من أمرها " وكانوا بعبادتهم كافرين " يعني يكفرون بعبادة الكفار لهم ويجحدون ذلك. ثم وصفهم أيضا فقال " وإذا تتلى عليهم " يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم " آياتنا " أي أدلتنا التي أنزلناها من القرآن ونصبناها لهم. والآية الدلالة التي تدل على ما يتعجب منه، قال الشاعر:
بآية يقدمون الخيل زورا * كأن على سنابكها مداما (1)
ويروى مناكبها و " بينات " أي واضحات " قال الذين كفروا " بوحدانية الله وجحدوا نعمه " للحق لما جاءهم " يعني القرآن، والمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وآله " هذا سحر مبين " أي حيلة لطيفة ظاهرة، ومن اعتقد ان السحر حيلة لطيفة لم يكفر بلا خلاف. ومن قال إنه معجزة كان كافرا، لأنه لا يمكنه مع هذا القول إن يفرق بين النبي والمتنبي. ثم قال " أم يقولون افتراه " أي بل يقولون اختلقه واخترعه فقال الله تعالى له " قل " لهم " إن " كنت (افتريته) واخترعته (فلا تملكون لي من الله شيئا) أي إن كان الامر على ما تقولون إني ساحر ومفتر لا يمكنكم أن تمنعوا الله مني إذا أراد اهلاكي على افترائي عليه (هو أعلم بما تفيضون فيه) يقال: أفاض القوم في الحديث إذا مضوا فيه، وحديث مستفيض أي شائع، من قولكم هذا سحر وافتراء، ثم قل لهم (كفى به) يعني بالله (شهيدا بيني وبينكم) يشهد للمحق منا والمبطل (وهو الغفور) لذنوب عباده (الرحيم) بكثرة نعمه عليهم. وفي ذلك حث لهم على المبادرة بالتوبة والرجوع إلى طريق الحق، ثم قال (قل) يا محمد صلى الله عليه وآله (ما كنت بدعا من الرسل) فالبدع الأول في الامر يقال: هو بدع من قوم أبداع قال عدي بن زيد:
فلا أنا بدع من حوادث تعتري * رجالا عرت من بعد يؤمن واسعد (2)
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: معناه ما كنت بأول رسول بعث وقوله (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) قال الحسن: معناه لا أدري ما يأمرني الله تعالى فيكم من حرب أو سلم أو تعجيل عقابكم أو تأخيره. وقال قل لهم (إن اتبع إلا ما يوحي إلي) أي لست اتبع في أمركم من حرب أو سلم أو امر أو نهي إلا ما يوحي الله إلي ويأمرني به (وما أنا إلا نذير مبين) أي لست إلا مخوفا من عقاب الله ومحذرا من معاصيه ومرغبا في طاعاته. وقيل: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله شكوا إليه ما يلقون من أهل مكة من الأذى، فقال لهم (إني رأيت في المنام أني أهاجر إلى ارض ذات نخل وشجر) ففرحوا بذلك، فلما تأخر ذلك، قالوا: يا رسول الله ما نرى ما بشرتنا به فأنزل الله الآية. وقوله (مبين) معناه مظهر لكم الحق فيه. ثم قال (قل) لهم يا محمد (أرأيتم إن كان من عند الله) يعني هذا القرآن (وكفرتم به) يعني بالقرآن (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وعون بن مالك الأشجعي صحابي، وابن زيد: نزلت الآية في عبد الله بن سلام، وهو الشاهد من بني إسرائيل، فروي أن عبد الله بن سلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا رسول الله سل اليهود عني فهم يقولون هو أعلمنا، فإذا قالوا ذلك قلت لهم إن التوراة دالة على نبوتك وأن صفاتك فيها واضحة، فلما سألهم عن ذلك، قالوا ذلك، فحينئذ اظهر ابن سلام إيمانه وأوقفهم على ذلك، فقالوا هو شرنا وابن شرنا. وقال الفراء: هو رجل من اليهود. وقال مسروق: الشاهد من بني إسرائيل هو موسى عليه السلام شهد على التوراة كما شهد النبي صلى الله عليه وآله على القرآن، قال: لان السورة مكية وابن سلام أسلم بالمدينة. وقوله (فآمن واستكبرتم) عن الايمان وجواب (إن كان من عند الله محذوف. قال الزجاج: تقديره (فآمن واستكبرتم) فلا تؤمنون. وقال غيره تقديره فآمن واستكبرتم إنما تهلكون. وقال الحسن: جوابه فمن أضل منكم. ثم اخبر تعالى فقال (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ويحتمل أمرين:
أحدهما: إنه لا يهديهم إلى الجنة لاستحقاقهم العقاب
الثاني: إنه لا يحكم بهداهم لكونهم ضلالا ظالمين. ولا يجوز أن يكون المراد لا يهديهم إلى طريق الحق، لأنه تعالى هدى جميع المكلفين بأن نصب لهم الأدلة على الحق ودعاهم إلى اتباعه، ورغبهم في فعله. وقد قال (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (3) فبين أنه هداهم إلى الحق وإن اختاروا هم الضلال.
1- مر في 6 / 63.
2- تفسير الطبري 26 / 4.
3- سورة 41 حم السجدة آية 17.