الآيات 1-5

مكية بلا خلاف، وهي خمس وثلاثون آية في الكوفي وأربع وثلاثون في البصري والمدنيين عد أهل الكوفة (حم) آية ولم يعده الباقون. والباقي لا خلاف فيه

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿حم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾

خمس آيات في الكوفي وأربع في ما عداه عد الكوفي (حم) ولم يعده الباقون. وقد بينا معنى قوله (حم) واختلاف العلماء في ذلك، وبينا أيضا تأويل قوله " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " فلا وجه لا عادته. وقيل: الوجه في تكرير ذلك الا بانة عن أن هذه السورة حالها حال السورة التي قبلها في أنه تعالى نزلها وشرفها وكرمها في الإضافة إلى العزيز الحكيم. والعزيز القادر الذي لا يغالب ولا يقهر. وقيل هو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في افعاله. وقد يكون الحكيم بمعنى العالم بتصريف الأمور الذي لا يوقعها الا على مقتضى العلم في التدبير وهو صفة مدح، وضده السفيه، وضد العزيز الذليل. ثم قال تعالى مخبرا إنا " ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق " ومعناه إنا لم نخلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ومعناه إنه لم توجد السماوات والأرض وما بينهما من الأجناس إلا للحق وتعريض الخلق لضروب النعم وتعريض المكلفين للثواب الجزيل ولم ونخلقها عبثا ولا سدى بل عرضناهم للثواب بفعل الطاعات وزجرناهم بالعقاب عن فعل المعاصي، وقدرنا لهم أوقات نبعثهم إليها وأوقات نجازيهم فيها " واجل مسمى " أي مذكور للملائكة في اللوح المحفوظ. ثم قال " والذين كفروا " بوحدانية الله تعالى وجحدوا ربوبيته " عما انذروا " به معرضون وعما خوفوا العمل من خلافه بالعقاب " معرضون " أي عادلون عن الفكر فيه والاعتبار به. ثم قال " قل " يا محمد صلى الله عليه وآله لهؤلاء الكفار الذين يعبدون الأصنام ويدعون مع الله إلها آخر " أرأيتم ما تدعون من دون الله " آلهة وتوجهون عبادتكم إليها بأي شئ استحقوا ذلك " أروني ماذا خلقوا من الأرض " فاستحقوا بخلق ذلك العبادة والشكر " أم لهم شرك في السماوات " أي في خلقها، فإنهم لا يقدرون على ادعاء ذلك. ثم قال لهم " ائتوني بكتاب من قبل هذا " يعني هاتوا بكتاب أنزله الله يدل على صحة قولكم قبل هذا القرآن " أو أثارة من علم " يعني شئ يستخرج منه فيثار فيعلم به ما هو منفعة لكم - وهو قول الحسن - وقال مجاهد: معناه أو علما تأثرونه عن غيركم - ويؤدى أثره، وهما لغتان: اثره واثاره، ومنه الحديث المأثور أي المرفوع - يدل على صحة ما تذهبون إليه. وقال أبو بكر وابن عباس: معناه أو بقية من علم يشهد بصحة قولكم وصدق دعواكم " إن كنتم صادقين " في ما تذكرونه وتذهبون إليه. ويقال: اثر الشئ إثارة مثل قبح قباحة وسمح سماحة، قال الراعي: وذات أثارة اكلت عليه يعني ذات بقية من شحم. ثم قال تعالى " ومن أضل " أي من أضل عن طريق الصواب " ممن يدعو من دون الله " أي يضرع إليه ويوجه عبادته إلى " من لا يستجيب له إلى يوم القيامة " مع ظهور الدلالة على توحيد الله ووضوح آثار نعمه على خلقه " وهم " مع ذلك " عن دعائهم " إياهم " غافلون " أي ذاهبون عن الفكر فيه، لأنهم لا يعقلون ولا يفقهون. والغفلة ذهاب المعنى عن نفس العاقل بمعنى يمتنع به إدراكه. وضده اليقظة، وهو حضور المعنى لنفس العاقل بما يجد إدراكه، وإنما كنى عن الأصنام بالواو والنون مع أنها لا تعقل لما أضاف إليها ما يكون من العقلاء، كنى عنها بكناياتهم، كما قال " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " (1) وقوله " كل في فلك يسبحون " (2).


1- سورة 12 يوسف آية 4.

2- سورة 36 يس آية 40.