الآيات 26-30
قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ، وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إلى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (قل) لهم يا محمد (الله يحييكم) في دار الدنيا، لأنه لا يقدر على الاحياء أحد سواه تعالى لأنه قادر لنفسه (ثم يميتكم) بعد هذا (ثم يجمعكم إلى يوم القيامة) بأن يبعثكم ويعيدكم أحياء، وإنما احتج بالاحياء في دار الدنيا، لان من قدر على فعل الحياة في وقت قدر عليها في كل وقت. ومن عجز عنها في وقت وتعذرت عليه مع كونه حيا ومع ارتفاع الموانع عجز عنها في كل وقت. ثم بين أن يوم القيامة (لا ريب فيه) أي لاشك في كونه (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ما قلناه لعدولهم عن النظر الموجب للعلم بصحة ذلك. ثم قال تعالى (ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم) أي وله الملك يوم تقوم (الساعة يخسر فيه المبطلون) ثواب الله. والمبطل هو من فعل الباطل وعدل عن الحق. ثم اخبر تعالى عن حال يوم القيامة فقال (وترى كل أمة جاثية) فالأمة الجماعة التي على مقصد، واشتقاقه من أمه يؤمه أما إذا قصده، والأمم أمم الأنبياء (جاثية) وقال مجاهد والضحاك وابن زيد: معناه باركة مستوفرة على ركبها والجثو البروك. والجثو البروك على طرف الأصابع، فهو أبلغ من الجثو. وقوله (كل أمة تدعى إلى كتابها) قيل معناه إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها ويثبت فيه أعمالها. وقال بعضهم: كتابها الذي انزل على رسولها - حكي ذلك عن الجاحظ - والأول الوجه. ثم حكى إنه يقال لهم (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) من طاعة أو معصية على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. ثم قال تعالى (هذا كتابنا) يعني الذي أستنسخ (ينطق عليكم بالحق) جعل ثبوت ما فيه وظهوره بمنزلة النطق، وإنه ينطق بالحق دون الباطل. ثم قال تعالى " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " قال الحسن: نستنسخ ما حفظت عليكم الملائكة الحفظة. وقيل: الحفظة تستنسخ ما هو مدون عندها من أحوال بني آدم الجزائية في قول ابن عباس - وروي عن علي عليه السلام أن الله ملائكة ينزلون في كل يوم يكتبون فيه أعمال بني آدم، ومعنى نستنسخ نستكتب الحفظة ما يستحقونه من ثواب وعقاب ونلقي ما عداه مما أثبته الحفظة، لأنهم يثبتون جميعه. ثم قسم تعالى الخلق فقال " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي صدقوا بوحدانيته وصدقوا رسله وعملوا الاعمال الصالحات " فيدخلهم ربهم في رحمته " من الثواب والجنة. ثم بين ان " ذلك هو الفوز المبين " أي الفلاح الظاهر.