الآية 111
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
القراءة:
قرأ حمزة والكسائي " فيقتلون ويقتلون " على مفعول وفاعل. الباقون على فاعل ومفعول. من قدم الفعل المسند إلى الفاعل، فلأنهم يقتلون أولا في سبيل الله ويقتلون، ولا يقتلون إذا قتلوا. ومن قدم الفعل المسند إلى المفعول جاز أن يكون أراد ذلك المعنى أيضا لان المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم وان لم يقدر ذلك كأن المعنى يقتل بعضهم ويقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل منهم، كما أن قوله " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " (1) ومعناه ما وهن من بقي منهم لقتل من قتل من المؤمنين. وحقيقة الاشتراء لا نجوز على الله تعالى، لان المشتري إنما يشتري ما لا يملك، والله تعالى مالك الأشياء كلها. وإنما هو كقوله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " (2) في أنه أجري بحسن المعاملة والتلفظ في الدعاء إلى الطاعة مجرى ما لا يملكه المعامل فيه، ولما كان الله تعالى رغب في الجهاد وقتال الاعداء وضمن على ذلك الثواب عبر عن ذلك بالاشتراء. فجعل الثواب ثمنا والطاعات مثمنا على ضرب من المجاز، وكما أن في مقابلة الطاعة الثواب فكذلك في مقابلة الألم العوض غير أن الثواب مقترن بالاجلال والاكرام، والعوض خال منهما، والمثاب محسن مستحق على احسانه المدح وليس كذلك المعوض. أخبر الله تعالى أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بما ضمن لهم على بذلها من الثواب في قوله " بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله " أعداء الله وأعداء نبيه فيقتلون أعداء الله ويقتلهم أعداء الله فيصبرون على ذلك. ومن قدم المفعول أراد يقتل بعضهم، فيقتل الباقون أعداء الله. وقوله " وعدا عليه حقا " نصب (وعدا) على المصدر بما دل عليه اشترى إذ يدل على أنه وعد، ومثله " صنع الله الذي أتقن كل شئ " (3) و " فطرة الله التي قطر الناس عليها " (4) والوعد خبر بما يفعله المخبر من الخير بغيره. والوعيد خبر بما الناس عليها " (5) والوعد خبر بما يفعله المخبر من الخير بغيره. والوعيد خبر بما يفعله المخبر من الشر بغيره. وقوله " حقا " معناه يتبين الوعد بالحق الواجب من الوعد بما لم يكن واجبا. فالوعد بالثواب دل على وجوبه من وجهين:
أحدهما: من حيث إنه جزاء على الطاعة.
الثاني: أنه إنجاز الوعد. وقوله " في التوراة والإنجيل والقرآن " معناه إن هذا الوعد للمجاهدين مذكور في هذه الكتب. قال الزجاج: وذلك يدل على أن. الجهاد كان واجبا على أهل كل ملة. وقوله " ومن أوفى بعهده من الله ؟! " معناه لا أحد أحق بالوفاء بالعهد من الله " فاستبشروا " أيها المؤمنون " ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " يعني ذلك الشراء والبيع هو الفلاح العظيم الذي لا يقارنه شئ.
1- سورة 3 آل عمران آية 146.
2- سورة 2 البقرة آية 245.
3- سورة 27 النمل آية 88.
4- سورة 30 الروم آية 30.
5- ....