الآيات 17-21

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ، أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ، وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾

أقسم تعالى انه فتن قبلهم يعني قبل كفار قوم النبي صلى الله عليه وآله (قوم فرعون) أي اختبرناهم، وشددنا عليهم بأن كلفناهم، لان الفتنة شدة التعبد في الاخذ بالسراء والضراء، وأصلها الاحراق بالنار لخلاص الذهب من الغش، فهذه الشدة كشدة الاحراق للخلاص. وقيل: الفتنة معاملة المختبر ليجازى بما يظهر دون ما يعلم مما لم يعلم (وجاءهم رسول كريم) أي حقيق بالتكرم في الدعاء إلى الله والبرهان الواضح والدليل القاهر حتى يسلكوا طريق الهدى المؤدي إلى ثواب الجنة ويعدلوا عن طريق الردى المؤدي إلى العقاب. وقيل: معناه كريم عند الله بما استحق بطاعته من الاكرام والاجلال. وقوله (أن أدوا إلي عباد الله) قال الحسن: هو مثل قوله (إن ارسل معنا بني إسرائيل) (1) ف? (عباد الله) منصوب ب? (أدوا) وقيل: هو منصوب على النداء. أي يا عباد الله أدوا ما أمركم به، في قول الفراء (إني لكم رسول أمين) على ما اؤديه إليكم وادعوكم إليه، (وأن لا تعلوا على الله) قال ابن عباس: معناه أن لا تطغوا عليه بافتراء الكذب عليه. وقال قتادة: معناه ان لا تبغوا عليه بكفر نعمه، وقيل معناه أن لا تتكبروا على الله بترك طاعته واتباع أمره. وقيل: معناه أن لا تبغوا على أولياء الله بالبغي عليهم. وقال الحسن: معناه لا تستكبروا عليه بترك طاعته (إني آتيكم بسلطان مبين) أي بحجة واضحة لان السلطان الحجة والمبين الظاهر الذي مع ظهوره يظهر الحق، فكأنه أظهره. ثم قال لهم (وإني عذت بربي) الذي خلقني (وربكم) الذي خلقكم (أن ترجمون) قال ابن عباس وأبو صالح: الرجم الذي استعاذ منه موسى هو الشتم، كقولهم: هو ساحر كذاب ونحوه، وقال قتادة: هو الرجم بالحجارة. ثم قال لهم (وان لم تؤمنوا لي فاعتزلون) أي لم تؤمنوا بي، فاللام بمعنى الباء ومعناه وإن لم تصدقوني في أني رسول الله إليكم وأن ما أدعوكم إليه حق يجب عليكم العمل به فلا أقل من أن تعتزلون بصرف أذاكم عني، لأنكم إن لا تجاوزا الاحسان بالاحسان، فلا إساءة. وإنما دعاهم إلى ترك ملابسته بسوء إن أصروا على الكفر ولم يقبلوا إلى الايمان لان هذا أمر يدعو إليه العقل ببديهته ولا يحتاج إلى برهان.


1- سورة 26 الشعراء آية 17.