الآيات 7-11

قوله تعالى: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ، لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا (رب السماوات) خفضا بدلا من قوله (رحمة من ربك.. رب السماوات) الباقون بالرفع على الاستئناف. ويجوز أن يكون خبر (إن) في قوله (إنه هو السميع العليم). لما ذكر الله تعالى أنه - عز وجل - السميع العليم، وصف نفسه أيضا بأنه الذي خلق السماوات والأرض ودبرهما، ودبر ما فيهما (إن كنتم موقنين) بهذا الخبر محققين له، وقيل: إن وجه الاحتجاج بذكر رب السماوات والأرض - ههنا - أن الذي دبرهما على ما فيه مصالح العباد هو الذي دبر الخلق بارسال الرسول رحمة منه بعباده على ما فيه مصالحهم. ومعنى (إن كنتم موقنين) أي إن كنتم ممن يطلب اليقين، فهذا طريق اليقين يلج الصدور بالعلم، وهو حال يجده الانسان من نفسه عند التعقل. ولهذا يقال: من وجد برد اليقين كان من المتقين. ولذلك لا يوصف الله تعالى باليقين وإن وصف بأنه عالم وعليم. ثم بين تعالى انه لا أحد يستحق العبادة سواه بقوله (لا إله إلا هو) وانه (يحيي) الخلق بعد موتهم (ويميت) أي ويميتهم بعد احيائهم (ربكم) الذي خلقكم ودبركم (ورب آبائكم) الذي خلقهم، دبرهم (الأولين) الذين سبقوكم وتقدموكم. ثم اخبر تعالى عن الكفار فقال ليس هؤلاء بموقنين بما قلناه (بل هم في شك) يعني بما أخبرناك به ووصفنا الله تعالى به (يلعبون) مع ذلك ويسخرون. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (فارتقب) قال قتادة: فانتظر (يوم تأتي السماء بدخان مبين) والدخان الظلمة التي كانت تغشى أبصار المشركين من قريش لشدة الجوع وحين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله، فقال (اللهم سنين كسنين يوسف) - في قول ابن مسعود والضحاك - وقال ابن عباس والحسن وهو المروي عن النبي صلى الله عليه وآله إن الدخان آية من اشراط الساعة تدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ ونصيب المؤمن منه مثل الزكمة. و (يغشى الناس) يعني الدخان يغشى الناس. ثم حكى تعالى بأن هؤلاء الكفار يقولون عند ذلك (هذا عذاب أليم) أي مؤلم موجع. والغشى اللباس الذي يغمر الشئ، لان الانسان قد يلبس الإزار ولا يغشيه. فإذا غمه كان قد غشاه. والغاشية من الناس الجماعة يغشون، وغاشية السرج من ذلك، ومنه قوله (يغشى الليل النهار) (1) والعذاب استمرار الألم ووصفه ب? (أليم) مبالغة في سببه، لأجل استمراره وصار بالعرف عبارة عن العقاب، لان الألم الذي يفعل للعوض والاعتبار، كأنه لا يعتد به لما يؤول إليه من النفع.


1- سورة 7 الأعراف آية 53 وسورة 13 الرعد آية 3.