الآيات 81-85
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
المعنى:
قيل في معنى قوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) أقوال:
أحدها: فانا أول الآنفين من عبادته، لان من كان له ولد لا يكون إلا جسما محدثا ومن كان كذلك لا يستحق العبادة، لأنه لا يقدر على النعم التي يستحق بها العبادة تقول: العرب عبد ت فصمت قال الفرزدق: واعبد ان يهجى كليب بدارم (1) وقال آخر:
ألا هذيت أم الوليد وأصبحت * لما أبصرت في الرأس مني تعبد (2)
الثاني: ما قاله ابن زيد وابن أسلم وقتادة: إن (ان) بمعنى (ما) وتقديره ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين لله.
الثالث: هو انه لو كان له ولد لعبدته على ذلك كما تقول لو دعت الحكمة إلى عبادة غير الله لعبدته لكنها لا تدعوا إلى عبادة غيره، وكما تقول: لو دل الدليل على أن له ولدا لقلت به، لكنه لا يدل، فهذا تحقيق نفي الولد لأنه تعليق محال بحال.
الرابع: قال السدي: لو كان له ولد لكنت أول من عبده بأن له ولدا، لكن لا ولد. وهذا قريب من الوجه (الثالث).
الخامس: إن كان لله ولد على قولكم، فأنا أول من وحده وعبده على أن لا ولد له - ذهب إليه مجاهد - وإنما لم يجز على الله تعالى الولد لأنه لا يخلو من أن يضاف إليه الولد حقيقة أو مجازا، وحقيقته أن يكون مخلوقا من مائه أو مولودا على فراشه، وذلك مستحيل عليه تعالى. ومجازه أن يضاف إليه على وجه التبني وإنما يجوز فيمن يجوز عليه حقيقته، ألا ترى انه لا يقال تبنى شاب شيخا لما لم يمكن أن يكون له ولد حقيقة، وإنما جاز ان يضاف إلى شيخ شاب على أنه تبناه لما كان حقيقته مقدورة فيه، وكذلك لا يقال تبنى انسان بهيمة لما كان يستحيل أن يكون مخلوقا من مائه أو على فراشه، فلما استحال حقيقته على الله تعالى استحال عليه مجازه أيضا. وإنما جاز أن يقال روح الله، ولم يجز ان يقال ولد الله لان روح الله بمعنى ملك الله للروح، وإنما أضيف إليه تشريفا. وإن كانت الأرواح كلها لله بمعنى انه مالك لها. ولا يعرف مثل ذلك في الولد. ثم نزه نفسه تعالى عن اتخاذ الولد فقال (سبحان رب السماوات والأرض) يعني الذي خلقهن (رب العرش) أي خالقه ومدبره (عما يصفون) من اتخاذ الولد، لان من قدر على خلق ذلك وإنشائه مستغن عن اتخاذ الولد. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه التهديد للكفار (فذرهم) أي اتركهم (يخوضوا) في الباطل (ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذين يوعدون) بمعنى يوعدون فيه بالعذاب الأبدي. وقال تعالى (وهو الذي في السماء إله) أي يحق له العبادة في السماء ويحق له العبادة في الأرض، وإنما كرر لفظة إله في قوله (وفي الأرض إله) لاحد أمرين:
أحدهما: للتأكيد ليتمكن المعنى في النفس لعظمه في باب الحق
الثاني: إن المعنى هو في السماء إله، يجب على الملائكة عبادته، وفي الأرض اله يجب على الآدميين عبادته (وهو الحكيم) في جميع افعاله (العليم) بجميع المعلومات (وتبارك) وهو مأخوذ من البرك وهو الثبوت، ومعناه جل الثابت الذي لم يزل ولا يزال. وقيل: معناه جل الذي عمت بركة ذكره (الذي له ملك السماوات والأرض) أي الذي له التصرف فيهما بلا دافع ولا منازع (وما بينهما وعنده علم الساعة) يعني علم يوم القيامة، لأنه لا يعلم وقته على التعيين غيره (واليه ترجعون) يوم القيامة فيجازي كلا على قدر عمله. فمن قرأ بالتاء خاطب الخلق. ومن قرأ بالياء رد الكناية إلى الكفار الذين تقدم ذكرهم.
1- القرطبي 16 / 120 والشوكاني 4 / 550.
2- تفسير الطبري 25 / 55.