الآيات 61-65
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾
الضمير في قوله " وانه لعلم للساعة " يحتمل أن يكون راجعا إلى عيسى عليه السلام لان ظهوره يعلم به مجيئ الساعة، لأنه من أشراطها، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد. وقيل: إنه إذا نزل المسيح رفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان في ما يأمرهم به عن الله وينهاهم عنه. وقيل: انه عليه السلام يعود غير مكلف في دولة الهدي وإن كان التكليف باقيا على أهل ذلك الزمان. وقال قوم: إن الضمير يعود إلى القرآن يعلمكم بقيامها ويخبركم عنها وعن أحوالها. وهو قول الحسن، والفائدة بالعلم بالساعة انه يجب التأهب لها من اجل انها تقوم للجزاء لا محالة، وفى الشك فيها فتور في العمل لها، ويجب لأجلها اجتناب القبائح التي يستحق بها الذم والعقاب واجتناء المحاسن التي يستحق بها المدح والثواب. وروي عن ابن عباس شاذا أنه من - العلم - بفتح العين واللام بمعنى انه علامة ودلالة على الساعة وقربها. ثم خاطب الأمة فقال " فلا تمترن بها " أي لا تشكن فيها. والمرية الشك ويدل على أن المراد به جميع الأمة قوله " واتبعوني هذا صراط مستقيم " أي ما أخبرتكم به من البعث والنشور والثواب والعقاب " صراط مستقيم " ثم نهاهم فقال " ولا يصدنكم الشيطان " أي لا يمنعكم الشيطان عن اتباع الطريق المستقيم الذي بينه الذي يفضي بكم إلى الجنة، ولا يعدل بكم إلى الطريق المؤدي إلى النار " إنه لكم عدو مبين " فالعداوة طلب المكروه والمكيدة والايقاع في كل مهلكة من أجل العداوة التي في هلاك صاحبها شفاء لما في صدره منها. ثم اخبر تعالى عن حال عيسى عليه السلام حين بعثه الله نبيا فقال " ولما جاء عيسى بالبينات " يعني بالمعجزات. قال قتادة يعني بالإنجيل " قال " لهم " قد جئتكم بالحكمة " أي بالذي من عمل به من العباد نجا ومن خالفه هلك. وقوله تعالى " ولا بين لكم بعض الذي تختلفون فيه ". قال مجاهد: يعني من احكام التوراة وقال قوم: تقديره قد جئتكم بالإنجيل، وبالبينات التي يعجز عنها الخلق. والذي جاء به عيسى هو بعض ما اختلفوا فيه، وبين لهم فيه. وقال قوم: البعض يراد به - ههنا - الكل كأنه قال: ولابين لكم جميع ما تختلفون فيه. وقيل أراد به من أمر دينكم دون أمر دنياكم. والاختلاف أصل كل عداوة. والوفاق أصل كل ولاية لان الخلاف يوجب البغضة، ثم يقوى بالكثرة حتى يصير عداوة، ثم قال لهم يعني عيسى عليه السلام " فاتقوا الله " بأن تجتنبوا معاصيه وتفعلوا طاعاته " وأطيعون " في ما أدعوكم إليه من العمل بطاعة الله. ثم قال لهم أيضا " إن الله " الذي تحق له العبادة " هو ربي وربكم فاعبدوه " خالصا ولا تشركوا به معبودا آخر. ثم قال " هذا صراط مستقيم " يفضي بكم إلى الجنة وثواب الله. وقوله " فاختلف الأحزاب من بينهم " قال السدي يعني اليهود والنصارى. وقال قتادة: يعني الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى عليه السلام فقال الله تعالى " فويل للذين ظلموا " نفوسهم بارتكاب معاصي الله " من عذاب يوم اليم " وهو يوم القيامة.