الآيات 46-50
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ، وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾
هذا قسم من الله تعالى بأنه أرسل موسى بالآيات الباهرات والحجج الواضحات إلى فرعون واشراف قومه وخص الملاء بالذكر، وإن كان مرسلا إلى غيرهم، لان من عداهم تبع لهؤلاء، فقال موسى له (اني رسول من رب العالمين) الذي خلق الخلق أرسلني إليكم. ثم اخبر تعالى فقال (فلما جاءهم بآياتنا) يعني موسى جاء إلى فرعون وملائه بالآيات والحجج (إذا هم منها) يعني من تلك الآيات (يضحكون) جهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها، وما لم من النفع بحصول علمهم بها. وفى الخبر عن ضحك أولئك الجهال عند ظهور الآيات زجر عن مثل حالهم ودعاء إلى العلم الذي ينافي الجهل. وفيه أيضا أنه لا ينبغي ان يلتفت إلى تضاحك أمثالهم من الأدلة إذا كان الانسان على يقين من أمره. والأنبياء كلهم يشتركون في الدعاء إلى الله باخلاص عبادته وطاعته في جميع ما يأمر به أو ينهى عنه، ودعوتهم إلى محاسن الافعال ومكارم الخلاق وإن اختلفت شرائعهم وتباينت مللهم ونسخت بعضها بعضا. وقوله (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) معناه إنه تعالى لا يريهم يعني فرعون وقومه معجزة ولا دلالة إلا وهي أكبر من الأخرى عند إدراك الانسان لها لما يهوله من أمرها، فيجد نفسه يقضي أنها أكبر كما يقول الانسان: هذه العلة التي نزلت بي أعظم من كل علة، وهو يريد أن لها مزية أعظم منها لا انه ذهب هول الأولى بانصرافها وحكم الثانية بحضورها. وقال قوم: المعنى وما نريهم من آية إلا هي أهول في صدورهم من التي مضت قبلها. ثم قال تعالى (واخذناهم بالعذاب) إذ عصوا فيها، وفكروا بها (لعلهم يرجعون) إلى طاعته وإنما جاز أخذهم بالعذاب ليرجعوا مع العلم بأنهم لا يرجعون لامكان أن يرجعوا إليه، لان كلما في المعلوم أنه لا يقع لا يجوز أن يفعل العالم شيئا من أجل انه سيقع ولكن يجوز أن يفعل شيئا لامكان أن يقع والمعنى - ههنا - لعلهم يرجعون إلى طريق الحق الذي ذهبوا عنه إلى طريق الباطل. ثم حكى تعالى ما قال فرعون وملاءه لموسى عند ذلك فإنهم (قالوا يا أيها الساحر أدع لنا ربك بما عهد عندك إنا لمهتدون) وقال قوم: إنما قالوا له يا أيها الساحر لجهلهم بنبوته وصدقه واعتقادهم انه سحرهم بذلك. وقال قوم: كان الساحر عندهم هو العالم ولم يكن صفة ذم. وقال الحسن: إنما قالوا ذلك على وجه الاستهزاء بموسى، كما قال المشركون (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (1) وقال الزجاج: وجه ذلك أنه جرى ذلك على ألسنتهم على عادتهم فيه قبل ذلك. وقال قوم: أرادوا يا أيها الفطن يا أيها العالم، لان السحر عندهم دقة النظر والعلم بالشئ كالسحر الحلال، يقال فلان: يسحر بكلامه. وقال قوم: وخاطبوه بما تقدم تشبيها له بالساحر، فقالوا له (ادع لنا ربك بما عهد عندك) معناه أن يا موسى ادع لنا ربك ليكشف عنا العذاب - في قول مجاهد - فإنه متى كشف عنا ذلك اهتدينا ورجعنا إلى الحق الذي يدعونا إليه. وفى الكلام حذف لان تقديره فدعا موسى وسأل ربه وضرع إليه أن يكشف عنهم العذاب، فكشف الله عنهم ذلك فإذا هم عند ذلك ينكثون. ومعناه ينقضون ما عقدوا على أنفسهم. وقال قتادة: معناه يغدرون، وإنما أخبر الله تعالى وقص خبر موسى وما جرى له تسلية للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى إن حال موسى مع قومه وحالك مع قومك سواء، فاصبر إن أمرك يؤول إلى الاستعلاء، كما آل أمر موسى عليه السلام.
1- سورة 15 الحجر آية 6.