الآيات 41-45

قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ، وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾

قوله (فاما نذهبن بك فانا منهم) معناه إن نذهب بك، فلما دخلت (ما) على حرف الشرط أشبه القسم في التأكيد والايذان بطلب التصديق، فدخلت النون في الكلام لذلك لان النون تلزم في جواب القسم ولا تلزم في الجزاء، لأنه شبه به، وإنما وجب باذهاب النبي إهلاك قومه من الكفار، لأنه علامة اليأس من فلاح أحد منهم، كما اسرى لوط بأهله، وموسى بقومه وغيرهما من النبيين وكأنه قال: فاما نذهبن بك على سنتنا فيمن قبلك فيكون إذهابه به إخراجه من بين الكفار. وقال قوم: إنما أراد إذهابه بالموت، ويكون قوله (فانا منهم منتقمون) على هذا ما كان من نقم الله على أهل الكفر أكرم بها نبيه حيث أعلمه ما كان من النقمة في أمته بعده - ذهب إليه الحسن وقتادة - وهو الذي روي عن أهل البيت عليه السلام ورووا أن التأويل: فانا بعلي منهم منتقمون، وقال الأولون إن ذلك في المشركين، وقووا ذلك بان الله ذكر ذلك عقيب ذكر المشركين، قالوا: وهو ما كان من نقم الله على المشركين يوم بدر بعد إخراج النبي من مكة وإنه استعلى عليهم واسر منهم مع قلة أصحابه وضعف عددهم وكثرة الكفار وشدة شوكتهم وكثرة عدتهم، فقتلوهم كيف شاؤوا وأسروا من أحبوا وكان ذلك مصداقا لما قاله لهم. وقوله (أو نرينك الذي وعدناهم فانا عليهم مقتدون) يعني ما أراهم بهم يوم بدر في ما قدمناه. وبين تعالى أنه على ذلك قادر وكان كما قال، ومن قال بالتأويل الأخير، قال معنى (أو نرينك) أو نعلمنك ما وعدناهم وفعلنا بهم. ثم قال لنبيه (فاستمسك بالذي أوحي إليك) من إخلاص العبادة لله تعالى واتباع أوامره والانتهاء عما نهى عنه (إنك على صراط مستقيم) وصف الاسلام بأنه صراط مستقيم لأنه يؤدى إلى الحق المطلوب حيث يستقيم بصاحبه حتى يوصله إليه. وقوله (وإنه لذكر لك ولقومك) قيل في معناه قولان:

أحدهما: ان هذا القرآن شرف لك بما أعطاك الله - عز وجل - من الحكمة ولقومك بما عرضهم له من إدراك الحق به وانزاله على رجل منهم

الثاني: انه حجة تؤدي إلى العلم لك ولكل أمتك. والأول أظهر. وقال الحسن: ولقومك لامتك. وقيل: إنه لذكر لك ولقومك يذكرون به الدين ويعلمونه وسوف تسألون عما يلزمكم من القيام بحقه والعمل به. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) قال قتادة والضحاك: سل من أرسلنا يعني أهل الكتابين التوراة والإنجيل، وقال ابن زيد: إنما يريد الأنبياء الذين جمعوا ليلة الاسراء. وهو الظاهر، لان من قال بالأول يحتاج ان يقدر فيه محذوفا، وتقديره وإرسال أمم من أرسلنا من قبلك. وقيل: المراد سلهم فإنهم وإن كانوا كفارا، فان تواتر خبرهم تقوم به الحجة. وقيل: الخطاب وإن توجه إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به الأمة كأنه قال واسألوا من أرسلنا كما قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) (1) وقوله (اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) معناه سلوا من ذكرناه هل جعل الله في ما مضى معبودا سواه يعبده قوم: من الأصنام أو غيرها، فإنهم يقولون لكم إنا لم نأمرهم بذلك ولا تعبدناهم به.


1- سورة 65 لطلاق آية 1.