الآيات 31-35
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ، وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ، وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (سقفا) على التوحيد - بفتح السين - الباقون (سقفا) بضم السين والقاف - على الجمع - وقرأ حمزة والكسائي (لما متاع الحياة الدنيا) مشددة الميم. الباقون خفيفة. من شدد الميم جعل (لما) بمعنى (إلا) ومن خفف جعل (ما) صلة إلا ابن عامر فإنه خفف وشدد. قال أبو علي: من خفف جعل (إن) المخففة من الثقيلة وأدخل اللام للفصل بين النفي والايجاب، كقوله (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) (1) ومن نصب بها مخففة، فقال إن زيدا منطلق استغنى عن اللام، لان النافية لا ينتصب بعدها الاسم، و (ما) زائدة. والمعنى: وإن كل ذلك لمتاع الحياة. حكى الله عن هؤلاء الكفار الذين حكى عنهم أنهم قالوا لما جاءهم الحق الذي هو القرآن (لولا نزل) إن كان حقا (على رجل من القريتين عظيم) يعني بالقريتين مكة والطائف، ويعنون بالرجل العظيم من أحد القريتين - في قول ابن عباس - الوليد ابن المغيرة المخزومي القرشي من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو ابن عمير من الطائف، وهو الثقفي. وقال مجاهد: يعني بالذي من أهل مكة عقبة بن ربيعة، والذي من أهل الطائف ابن عبد باليل. وقال قتادة: الذي من أهل مكة يريدون الوليد ابن المغيرة، والذي من أهل الطائف عروة بن مسعود الثقفي. وقال السدى: الذي من أهل الطائف كنانة بن عمرو. وإنما قالوا ذلك لان الرجلين كانا عظيمي قومهما، وذوي الأموال الجسيمة فيهما، فدخلت الشبهة عليهم فاعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة. وهذا غلط لان الله تعالى يقسم الرحمة بالنبوة كما يقسم الرزق في المعيشة على حسب ما يعلم من مصالح عباده فليس لأحد ان يتحكم في شئ من ذلك. فقال تعالى على وجه الانكار عليهم والتهجين لقولهم (أهم يقسمون رحمة ربك) أي ليس لهم ذلك بل ذلك إليه تعالى. ثم قال تعالى (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) وقيل: الوجه في اختلاف الرزق بين الخلق في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة إن في ذلك تسخير بعض العباد لبعض باحواجهم إليهم، لما في ذلك من الأحوال التي تدعو إلى طلب الرفعة وارتباط النعمة ولما فيه من الاعتبار بحال الغنى والحاجة، وما فيه من صحة التكليف على المثوبة. ثم قال تعالى (ورحمة ربك خير مما يجمعون) يعني رحمة الله ونعمه من الثواب في الجنة خير مما يجمعه هؤلاء الكفار من حطام الدنيا. ثم اخبر تعالى عن هوان الدنيا عليه وقلة مقدارها عنده بأن قال (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) أي لولا أنهم يصيرون كلهم كفارا (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) استحقارا الدنيا وقلة مقدارها ولكن لا يفعل ذلك، لأنه يكون مفسدة. والله تعالى لا يفعل ما فيه مفسدة. ثم زاد على ذلك وكنا نجعل لبيوتهم على كون سقفهم من فضة معارج، والسقف بالضم سقف مثل رهن ورهن. وقال مجاهد: كل شئ من السماء فهو سقف، وكل شئ من البيوت فهو سقف بضمتين، ومنه قوله (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) (2) قال الفراء قوله (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا) يحتمل أن تكون اللام الثانية مؤكدة للأولى، ويحتمل أن تكون الثانية بمعنى (على) كأنه قال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم سقفا، كما تقول: جعلنا لك لقومك العطاء أي جعلته لأجلك (ولبيوتهم أبو أبا وسررا) جمع سرير (عليها يتكئون) من فضة أيضا وحذف لدلالة الكلام عليها. وقوله (وزخرفا) قال ابن عباس: هو الذهب. وبه قال الحسن وقتادة والضحاك. وقال ابن زيد: هو الفرش ومتاع البيت، والمزخرف المزين. وقال الحسن المزخرف المنقوش والسقف جمع سقوف كرهون ورهن. وقيل: هو جمع سقف ولا نظير له والأول أولى، لأنه على وزن زبور وزبر. والمعارج الدرج - في قول ابن عباس وقتادة - وهي المراقي قال جندب بن المثنى: يا رب رب البيت ذي المعارج (3) (ومعارج) درجا (عليها يظهرون) أي يصعدون. وقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي لولا أن يكون الناس أمة واحدة أي يجتمعون كلهم على الكفر. وقال ابن زيد: معناه يصيرون كلهم أمة واحدة على طلب الدنيا. ثم قال (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) معناه ليس كل ذلك يعني ما ذكره من الذهب والفضة والزخرف إلا متاع الحياة الدنيا الذي ينتفع به قليلا ثم يفنى وينقطع. ثم قال (والآخرة) أي العاقبة (عند ربك) الثواب الدائم (للمتقين) الدين يتقون معاصيه ويفعلون طاعاته فصار كل عمل ما للدنيا صغير بالإضافة إلى ما يعمل للآخرة، لان ما يعمل للدنيا منقطع وما يعمل للآخرة دائم.
1- سورة 7 الأعراف آية 101.
2- سورة 21 الأنبياء آية 32.
3- مجاز القرآن 2 / 204.