الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ، بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ، وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ، فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم (قال أولو جئتكم) على أنه فعل ماض، وتقديره قال النذير. الباقون (قل) على الامر على وجه الحكاية لما أوحى الله إلى النذير. قال كأنه قال أوحينا إليه أي فقلنا له (قل أولو جئتكم) وقرأ أبو جعفر (جئناكم) بالنون على وجه الجمع. لما حكى الله تعالى تخرص من يضيف عبادة الأصنام والملائكة إلى مشيئة الله، وبين انه لا يشاء ذلك قال (أم آتيناهم كتابا) والمعنى التقريع لهم على خطئهم بلفظ الاستفهام، والتقدير أهذا الذي ذكروه شئ تخرصوه وافتروه (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) ؟! فإذا لم يمكنهم ادعاء ان الله أنزل بذلك كتابا علم أنه من تخرصهم ودل على حذف حرف الاستفهام (أم) لأنها المعادلة. ثم قال ليس الامر على ما قالوه (بل قالوا) يعني الكفار (إنا وجدنا آباءنا على أمة) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: يعني على ملة وسميت الديانة أمة لاجتماع الجماعة على صفة واحدة فيها. وقرئ " على إمة " - بكسر الهمزة - والمراد به الطريقة (وانا على آثارهم) أي على آثار آبائنا (مهتدون) نهتدي بهداهم. ثم قال مثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر كذلك لم نرسل من قبلك في قرية ومجمع من الناس نذيرا - لان (من) زيادة - (إلا قال مترفوها) وهم الذين آثروا الترفة على طلب الحجة، وهم المتنعمون الرؤساء (إنا وجدنا آباءنا على أمة) يعني على ملة (وانا على آثارهم مقتدون) نقتدي بهم فأحال الجميع على التقليد للآباء فحسب، دون الحجة، والتقليد قبيح بموجب العقل لأنه لو كان جائزا للزم فيه أن يكون الحق في الشئ ونقيضه، فيكون عابد الوثن يقلد أسلافه، وكذلك يقلد اسلافه اليهودي والنصراني والمجوسي، وكل فريق يعتقد أن الآخر على خطأ وضلال. وهذا باطل بلا خلاف، فإذا لابد من الرجوع إلى حجة عقل أو كتاب منزل من قبل الله، فقال الله تعالى للنذير (قل) لهم (أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) فهل تقبلونه؟وفي ذلك حسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق، وهو انه لو كان ما تدعونه حقا وهدى على ما تدعونه، لكان ما جئتكم به من الحق اهدى من ذلك وأوجب ان يتبع ويرجع إليه، لان ذلك، إذا سلموا أنه اهدى مما هم عليه بطل الرد والتكذيب، وإذا بطل ذلك لزم اتباعه في ترك ما هم عليه. ثم حكى ما قالوا في الجواب عن ذلك فإنهم قالوا (انا بما أرسلتم به) معاشر الأنبياء (كافرون) ثم اخبر تعالى فقال (فانتقمنا منهم) بأن أهلكناهم وعجلنا عقوبتهم (فانظر) يا محمد (كيف كان عاقبة المكذبين) لأنبياء الله والجاحدين لرسله.