الآية 44

قوله تعالى: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾

أخبر الله تعالى نبيه بعلامة المنافقين والكاذبين بأن بين أنه لا يستأذن أحد النبي صلى الله عليه وآله في التأخر عنه والخروج معه إلى جهاد أعدائه ولا يسأله الاذن في التأخر القوم الذين يؤمنون بالله ويصدقون به ويقرون بوحدانيته ويعترفون باليوم الاخر. والاستئذان طلب الاذن من الاذن. ومعنى قوله " أن يجاهدوا " فيه حذف وتقديره لان لا يجاهدوا بحذف (لا) لان ذمهم قد دل عليه - هذا قول أبي علي الجبائي - وقال الحسن: تقديره كراهية أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم. وقال الزجاج: هو في موضع نصب، لان تقديره في أن يجاهدوا، فلما حذف حرف الجر انتصب، وعند سيبويه وغيره هو في موضع الجر. وقوله " والله عليم بالمتقين " اخبار منه تعالى بأنه يعلم من يتقي معصية الله ويخاف عقابه، ومن لا يتقيه. قال ابن عباس هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد وعذر للمؤمنين، فقال: لم يذهبوا حتى يستأذنوه. والمعنى انه لم يخرجهم من صفة المتقين إلا أنه علم أنهم ليسوا منهم. فان قيل أي الجهادين أفضل: أجهاد السيف أم جهاد العلم؟قيل: هذا بحسب الحاجة إليه والمصلحة فيه، وكذلك الجهاد بالمال والجهاد بالنفس. وإنما يقع التفاضل مع استواء الأحوال الا بمقدار الخصلة الزائدة من خصال الفضل. وأجاز الرماني الجهاد مع الفساق إذا عاونوا على حق في قتال الكفار لأنهم يطيعون في ذلك الفعل كما هم مطيعون في الصلاة والصيام وغير ذلك من شريعة الاسلام. والظاهر من مذهب أصحابنا أنه لا يجوز ذلك إلا ما كان على وجه الدفع عن النفس وعن بيضة الاسلام.