الآية 8
قوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾
تقدير الآية كيف لهم عهد وكيف لا تقتلونهم وحذف، لان قوله في الآية لاولى " كيف يكون للمشركين عهد " دل على ذلك ومثله قول الشاعر:
وخبر تماني أنما الموت في القرى * فكيف وهاتا هضبة وقليب (1)
ويروى وهذي اي كيف مات وليس في قرية. وقال الحطيئة في حذف الفعل بعد كيف:
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم * على معظم ولا أديمكم قدوا (2)
أي كيف تلومونني على مدح قوم وتذمونهم. والمعنى كيف لهم يعني لهؤلاء المشركين عهد، وهم إن يظهروا عليكم بمعنى يعلوا عليكم بالغلبة، لان الظهور هو العلو بالغلبة. واصله خروج الشئ إلى حيث يصح ان يدرك " لا يرقبوا فيكم " معناه لا يراعون فيكم، والرقوب هو العمل في الامر على ما تقدم به العهد. والمراقبة والمراعاة نظائر في اللغة. وقوله: " إلا ولا ذمة " قيل في معنى الئل ستة أقوال:
أولها: قال مجاهد وابن زيد: إن معناه العهد.
الثاني: في رواية أخرى عن مجاهد أنه اسم الله. ومنه قول أبي بكر لما سمع كلام مسيلمة: لم يخرج هذا من إل، فأين يذهب بكم.
الثالث: قال ابن عباس: هو القرابة.
الرابع: قال الحسن: هو الجوار.
الخامس: قال قتادة: هو الحلف.
السادس: قال أبو عبيدة: هو التميز. والأصل في جميع ذلك العهد وهو مأخوذ من الاليل وهو البريق، يقال: أل يؤول إذا لمع والآلة الحربة للمعانها، وأذن مؤللة مشبهة بالحربة في تحديدها وقال الزجاج: أصله التحديد قال الشاعر:
وجدناهم كاذبا إلهم * وذو الال والعهد لا يكذب (3)
أي ذو العهد، وقال ابن مقبل:
أفسد الناس خلوف خلفوا * قطعوا الال واعرق الرحم (4)
يعني القرابة، وقال حسان:
لعمرك إن إلك في قريش * كال السقب من رأل النعام (5)
وقوله " يرضونكم بأفواههم " معناه يقولون قولا يرضيكم بذلك في الظاهر وتأبى قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم. ثم اخبر الله تعالى عن حالهم لان الفاسق هو الخارج من الشئ من قولهم فسقت الرطبة. وإنما كان أكثر هم بهذه الصفة ولم يكن جميعهم وإن كانوا كلهم فاسقين لان المراد به رؤساءهم.
1- قائله كعب بن سعد الغنوي. الأصمعيات 99 وتفسير الطبري 14 / 145 وأمالي القالي 2 / 151 ومعاني القرآن 1 / 424.
2- معاني القرآن 1 / 424.
3- تفسير الطبري 14 / 148، 149.
4- .....
5- ديوانه: 407 واللسان (ألا) وتفسير الطبري 14 / 149.