الآية 1
وتسمى سورة التوبة مدنية وهي مئة وتسع وعشرون آية في الكوفي وثلاثون في البصري والمدنيين قال مجاهد وقتادة وعثمان: هي آخر ما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة وروي عن حذيفة أنه قال: كيف يسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب ؟! وروي عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة التوبة قال: تلك الفاضحة ما زالت تنزل وفيهم حتى خشينا الا تدع أحدا. قال وسورة الأنفال نزلت في بدر، وسورة الحشر في بني النضير.
قوله تعالى: ﴿بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
قيل في علة ترك افتتاح هذه السورة ب? (بسم الله الرحمن الرحيم) قولان:
أحدهما: ما روي عن أبي بن كعب أنه ضمت هذه السورة إلى الأنفال بالمقاربة، فكانتا كسورة واحدة لان الأولى في ذكر العهود والأخرى في رفع لعهود. وقال عثمان لاشتباه قصتهما، لان الأولى في ذكر العهود والأخرى في رفع لعهود. وقال المبرد: لان " بسم الله الرحمن الرحيم " أمان وبراءة نزلت لرفع الأمان. ويحتمل رفع " براءة " وجهين:
أحدهما: أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف وتقديره هذه الآيات براءة.
الثاني: أن يكون مبتدأ وخبره الظرف في قوله " إلى الذين ". والأول أجود لأنه يدل على حصول المدرك كما تقول لما تراه حاضرا: حسن والله اي هذا حسن. ومعنى البراءة انقطاع برئ براءة وأبرأه ابراءا وتبرأ تبرؤا وبرئت من المرض وبرأت أبرأ وأبرؤ وبرأ تبريئا. وروى أهل اللغة برأت أبرؤ برءا، ولم يجئ من المهموز (فعلت أفعل) إلا في هذا الحرف الواحد وبريت القلم أبريه بريا بغير همز، وبراه السير إذا هزله. وبرئ له يبرئ إذا تعرض له، وباراه إذا عارضه وأبرأت البعير إذا جعلت لانفه براه بالألف. ومعنى الآية برئ الله من المشركين ورسوله " إلا الذين عاهدتم من المشركين " من اعطائهم الأمان، والعهود والوفاء لهم بها إلا إذا نكثوا، لأنهم كانوا ينكثون ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله، فأمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله ان ينبذ أيضا إليهم عهدهم. وقوله " إلا الذين عاهدتم من المشركين " فالعهد العقد الذي يتقدم به لتوثيق الامر عهد عهدا وعاهد معاهدة وتعاهد الامر تعاهدا وتعهده تعهدا وقوله: " عاهدتم " إنما جاء بلفظ الخطاب، لان فيه دلالة على الامر بالنبذ إلى المشركين برفع الأمان ولولا ذلك لجاز عاقدنا، لان معاقدة النبي صلى الله عليه وآله إنما هي عن الله عز وجل. ويجوز رفع الأمان والبراءة من غير نقض العهد إذا كان مشروطا إلى أن يرفعه الله إليهم.