الآية 31
قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خلق الله آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، - وقيل قبضها ملك الموت - فجاء بنو آدم على قدر ذلك: منهم الأسود والأحمر، والأبيض، والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب.
اللغة:
وقال أبو العباس: في اشتقاق آدم قولان:
أحدهما: انه مأخوذ من أديم الأرض قال: فإذا سميت به في هذا الوجه ثم نكرته، صرفته
والثاني: انه مأخوذ من الأدمة على معنى اللون والصفة، فإذا سميت به في هذا الوجه، ثم نكرته، لم تصرفه والأدمة والسمرة، والدكنة والورقة متقاربة المعنى في اللغة وقال صاحب العين الأدمة في الناس: شربة من سواد وفي الإبل والظباء: بياض وادمة الأرض: وجهها والمؤدم (1) من الجلد خلاف المبشر وأدما أنثى وآدم ذكر وهي الادم في الجماعة وآدم أبو البشر والادم: ما يؤتدم به وهو الادام الادم: جماعة الأديم وأديم كل شئ: وجهه و (كل) لفظة عموم على وجه الاستيعاب وقال الرماني: حده الإحاطة بالابعاض، يقال: أبعض القوم جاءك أم كلهم؟وتكون تأكيدا مثل أجمعين غير أنه يبتدأ في الكلام بكل، كقوله تعالى: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " (2) لان كلا قد يلي العوامل ويبتدأ واجمعون لا تكون إلا تابعة ويقال عرض عرضا قال صاحب العين: عرض علينا فلان المتاع يعرض عرضا للشراء أو الهبة وقال الزجاج: العرض أصله في اللغة: الناحية من نواحي الشئ فمن ذلك العرض خلاف الطول وعرض الرجل.
قال بعضهم: ما يمدح به أو يذم وقيل عرضه: خليقته المحمودة وقيل عرضه: حسبه وقال الرماني: هي ناحيته التي يصونها عن المكروه وحقيقة العرض: الاظهار للشئ ليتصفح والانباء والاعلام والاخبار واحد قال صاحب العين: النبأ - مهموز - هو الخبر المنبئ والمخبر ولفلان نبأ أي خبر ويقال: نبأته وأنبأته واستنبأته والجمع الانباء والنبوة إذا أخذت من الانباء فهي مهموزة لكن روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه (3) قال: لا تنبز باسمي، لرجل قال له: يا نبئ الله والنبئ - بالهمز -: الطريق الواضح، يأخذ بك إلى حيث تريد والنبأة: صوت الكلاب تنبأ به نبأ وحقيقة الانباء: الاظهار للخبر قال الشاعر:
أدان وأنبأه الأولون * بأن المدان ملي
وفي والفرق بين الاخبار والاعلام أن الاعلام قد يكون بخلق العلم الضروري في القلب كما خلق الله من كمال العقل والعلم بالمشاهدات وقد يكون بنصب الأدلة للشئ والاخبار هو إظهار الخبر، علم به أو لم يعلم ولا يكون مخبرا بما يحدثه من العلم في القلب كما يكون معلما بذلك وقوله: " ثم عرضهم على الملائكة " إنما لم يقل: ثم عرضها، إذ كانت الأسماء لا تعقل، لأنه أراد أصحاب الأسماء وفيهم ما لا يعقل كما تغلب المذكر إذا اجتمع مع المؤنث، لأنهم يقولون: إن أصحابك وإماءك جاءوني وروي عن ابن عباس أنه قال: عرض الخلق وقال مجاهد: عرض أصحاب الأسماء وقوله: " وعلم آدم الأسماء كلها " معناه أنه علمه معاني الأسماء، من قبل أن الأسماء بلا معان لا فائدة فيها، ولا وجه لايثاره الفضيلة بها وقد نبه الله الملائكة على ما فيه من لطيف الحكمة، فاقروا عندما سئلوا عن ذكرها والاخبار عنها أنهم لا علم لهم بها فقال: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " وقول قتادة، وظاهر العموم يقتضى أنه علمه الأسماء وبه قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وأكثر المتأخرين: كالبلخي والجبائي وابن الاخشيد والرماني وقال الطبري بما يحكي عن الربيع وابن زيد: انهما قالا: علمه الله أسماء ذريته وأسماء الملائكة وقال هو الاختيار دون قول ابن عباس وقال: إن قولهم: " عرضهم " إنما يكون لمن يعقل في الأظهر من كلام العرب وهذا غلط لما بيناه من التغليب وحسنه كما قال تعالى: " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع " (4) وهذا يبطل ما قاله، ويبقى اللفظ على عموم وظاهر الآية وعمومها يدل على أنه علمه جميع اللغات وبه قال الجبائي والرماني فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا، تكلم كل قوم منهم بلسان ألفوه واعتادوه وتطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه ويجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح فلما أهلك جميع الخلائق إلا نوحا ومن معه، كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا وتفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها، وتركوا ما سواها، وانقرض ونسوه والخبر الذي يروي أن الناس أمسوا ولغتهم واحدة ثم أصبحوا وقد تغيرت ألسنتهم وكان لا يعرف كل فريق منهم إلا كلام من كان على لغتهم - خبر ضعيف وأيضا فلا يجوز أن ينسى العاقل ما كان في امسه من جلائل الأمور مع سلامة عقله قالوا: واللغات جميعا إنما سمعت من آدم، وعنه أخذت وقال ابن الاخشيد: إن الله فتق لسان إسماعيل بالعربية ولذلك صار أصلا للعرب من ولده، لأنه تكلم بها على خلاف النشوء والعادة، بل على أنه ابتدأه بها وألهمه إياها فان قيل: ما معنى قوله: " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " ما الذي ادعي حتى قيل هذا؟قيل عن ذلك أجوبة كثيرة للعلماء:
أحدها: ان الملائكة لما أخبرهم الله عز وجل أنه جاعل في الأرض خليفة هجس في نفوسها أنه لو كان الخليفة منهم بدلا من آدم وذريته، لم يكن فساد ولا سفك دماء كما يكون من ولد آدم، وان ذلك أصلح لهم وإن كان الله عز وجل لا يفعل إلا ما هو أصلح في التدبير، والأصوب في الحكمة فقال الله تعالى: " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " فيما ظننتم في هذا المعنى ليدلهم على أنهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا كانوا من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد.
والثاني: أنه وقع في نفوسهم أنه لم يخلق الله خلقا إلا كانوا أفضل منهم في سائر أبواب العلم فقيل: إن كنتم صادقين في هذا الظن فأخبروا بهذه الأسماء.
والثالث: قال ابن عباس: إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة ف? " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " لان كل واحد من الامرين من علم الغيب فكما لا تعلمون ذا لا تعلمون الآخر.
والرابع: ما ذكره الأخفش والجبائي وابن الاخشيد: إن كنتم صادقين فيما تخبرون به من أسمائهم كقول القائل للرجل: أخبرني بما في يدي إن كنت صادقا أي إن كنت تعلم فأخبر به، لأنه لا يمكن أن يصدق في مثل ذلك إلا إذا أخبر عن علم منه، ولا يصح أن يكلف ذلك إلا مع العلم به، ولا بد إذا استدعوا إلى الاخبار عما لا يعلمون من أن يشرط بهذا الشرط، ووجه ذلك التنبيه كما يقول العالم للمتعلم: ما تقول في كذا، ويعلم أنه لا يحسن الجواب لينبهه عليه، وبحثه على طلبه، والبحث عنه، فلو قال له: اخبر بذلك إن كنت تعلم، أو قال له: ان كنت صادقا، لكان حسنا فإذا نبهه على أنه لا يمكنه الجواب أجابه، حينئذ فيكون جوابه بهذا التدريج أثبت في قلبه، وأوقع في نفسه وقوله: " أنبئوني " قال قوم: هو امر مشروط كأنه قيل: إن أمكنكم أن تخبروا بالصدق فيه، فافعلوا وقيل: إن لفظه لفظ الامر ومعناه التنبيه على ما بيناه في سؤال العالم للمتعلم ولا يجوز أن يكون ذلك تكليفا، لأنه لو كان تكليفا، لم يكن تنبيها لهم على أن آدم يعرف من أسماء هذه الأشياء بتعريف الله إياه ذلك ما لا يعرفون فلما أراد تعريفهم ما خص به آدم، من ذلك علمنا أنه ليس بتكليف ومعنى قوله: " إن كنتم صادقين " شرط كأنه قيل: إن كنتم صادقين في الاخبار بذلك وليس " إن " بمعنى " إذ " على ما حكاه الكسائي عن بعض المفسرين، لأنها لو كانت كذلك، لكانت " ان " - بفتح الهمزة - وتقديره: ان كنتم محققين ايمانكم، فافعلوا كذا وكذا، لان (إذ) إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له كقولك: إذ قمت أي من أجل ان قمت فلو كانت إن في الآية بمعنى إذ، كان التقدير: أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل انكم صادقين وإذا وضعت إن مكان ذلك، وجب أن تفتح الألف وذلك خلاف ما عليه القراء والانباء قال قوم: أصله الاعلام كقولهم: انبأت عمرا زيدا أخاك بمعنى أعلمت ولا يصلح هاهنا أخبرت إلا أنه يتناول أنبئوني هاهنا بمعنى أخبروني على وجه المجاز والتوسع لتقارب المعنى في الاخبار والانباء، لان الله تعالى عالم بالأشياء فيما لم يزل فلا يجوز أن يقول: علموني لما هو عالم به ومن قال: أصله الاخبار، تعلق بظاهر القرآن وفي كيفية عرضهم قولان:
أحدهما: انه عرضهم بعد أن خلقهم.
والثاني: أنه عرضهم بأن صورهم لقلوب الملائكة وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من حيث أن الله تعالى لما أراد تشريف آدم اختصه بعلم أبانه به من غيره، وجعل له الفضيلة فيه، وفي كيفية تعليم الله آدم الأسماء، قال البلخي: ويجوز أن يكون اخبره بذلك فوعاه في وقت قصير بما أعطاه الله من الفهم والحفظ أو بأن دله ومكنه، ورسم به رسما فابتدع هو لكل شئ اسما يشاكله ولا بد أن يكون اعلامه له بلغة قد تقدمت المواضعة عليها حتى يفهم بالخطاب المراد به وقال المواضعة لابد ان تستند إلى سمع عند قوم وعند أبي هاشم وأصحابه لا يصح ذلك فأما الذي عرض على الملائكة قال قوم عرضت الأسماء دون المسميات وقال قوم آخرون: عرضت المسميات بها وهو الأقوى لقوله: " ثم عرضهم " وفي قراءة ابن مسعود: ثم عرضهن وفي قراءة أبي: عرضها وقال قوم: إنه عرضهم بعد أن خلق المسميات واحضرها لقوله: أسماء هؤلاء وذلك إشارة إلى الحاضر وقال آخرون: إنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم قبل خلقهم وقيل: إن قوله إشارة إلى الأسماء التي علمها آدم " وانبئوني " أكثر القراء بهمز: وروي عن الأعمش ترك الهمز فيه، وهي لغة قريش " هؤلاء " لغة قريش ومن جاورهم باثبات الف بين الهاء والواو، ومد الألف والأخيرة وتميم وبكر وعامة بني أسد يقصرون الألف الأخيرة وبعض العرب يسقط الألف الأولى التي بين الهاء والواو ويمد الأخيرة وانشد:
تجلد لا يقل هؤلاء هذا * بكى لما بكى اسفا وعيبا
وحقق الهمزة ابن عامر وأهل الكوفة إذا اتفقا من كلمتين وقرأ أبو عمرو وأحمد بن صالح عن قالون بتحقيق الأولى فحذف الثانية وقرأ ورش وقنبل وأبو جعفر وأويس بتحقيق الأولى وتليين الثانية، وقرا ابن كثير إلا قنبلا ونافع إلا ورشا وأحمد بن صالح بسكون الأولى، وتحقيق الثانية في المكسورتين والمضمومتين وفي المفتوحتين بتحقيق الأولى وحذف الثانية.
1- المؤدم: الحاذق المجرب جمع لين الأدمة وخشو؟البشرة.
2- سورة الحجر: آية 30.
3- أنه - ساقطة من المطبوعة.
4- سورة النور آية 45.