الآية 20
قوله تعالى: ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
المعنى:
معنى (يكاد): يقارب وفيه مبالغة في القرب وحذفت منه أن لأنها للاستقبال قال الفرزدق:
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
(يخطف) فيه لغتان يقال: خطف يخطف وخطف يخطف والأول أفصح وعليه القراء وروي عن الحسن (يخطف) - بكسر الخاء وكسر الطاء ويروى (يخطف) بكسر الياء والخاء والطاء والخطف: السلب ومنه الحديث أنه نهى عن الخطفة: يعني النهبة ومنه قيل الخطاف: والذي يخرج به الدلو من البئر (خطاف) لاختطافه واستلابه قال نابغة بني ذبيان:
خطاطيف حجن في حبال متينة * تمد بها أيد إليك نوازع (1)
جعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله واليوم الآخر ثم قال: (كلما أضاء لهم مشوا فيه): يعني كلما أضاء البرق لهم وجعل البرق مثلا لايمانهم وإضاءة الايمان أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم من إصابة الغنائم والنصرة على الاعداء فلذلك أضاء لهم لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الاقرار ابتغاء ذلك ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم كما قال: " ومن الناس من يعبد الله على حرف فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه " (2) (وإذا أظلم عليهم): يعني ضوء البرق على السائرين في الصيب الذي ضربه مثلا للمنافقين وظلام المنافقين: أن يروا في الاسلام ما لا يعجبهم في دنياهم من ابتلاء الله المؤمنين بالضراء وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء من إخفاقهم في مغزاهم أو إدالة عدوهم أو إدبار دنياهم عنهم أقاموا على نفاقهم وثبتوا على ضلالهم كما ثبت السائر في الصيب الذي ضربه مثلا (إذا أظلم) وخفت ضوء البرق فحار في طريقه فلم يعرف منهجه وقوله: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) إنما خص الله تعالى ذكر السمع والبصر انه لو شاء لذهب بهما دون سائر أعضائهم لما جرى من ذكرهما في الآيتين من قوله: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) وفي قوله (يخطف أبصارهم) فلما جرى ذكرهما على وجه المثل عقب بذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم كما توعد في قوله: (محيط بالكافرين) وقوله: " بسمعهم " قد بينا فيما تقدم أنه مصدر يدل على الجمع وقيل: إنه واحد موضوع للجمع فكأنه أراد " بأسماعهم " قال الشاعر: كلوا في نصف بطنكم تعفوا * فان زمانكم زمن خميص (3) أراد البطون ويقال: ذهبت به وأذهبته وحكي أذهب به وهو ضعيف ذكره الزجاج والمعنى: ولو شاء الله لا ظهر على كفرهم فدمر عليهم وأهلكهم لأنه) على كل شئ قدير): أي قادر وفيه مبالغة.
1- خطاطيف: ج خطاف وحجن ج أحجن: وهو المعوج ونوازع ج نازع ونازعة من قولهم نزع الدلو من البئر ينزعها جذبها أخرجها.
2- سورة الحج آية 11.
3- من ابيات سيبويه التي لا يعلم قائلها سيبويه الخزانة.