الآية 10

قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾

القراءة:

امال الزاي ابن عامر والحلواني وحمزة وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء يكذبون مخففا.

اللغة والتفسير:

يقال زاد يزيد زيادة (1) وقال الشاعر كذلك زيد المرء بعد انتقاصه و (زدت) فعل يتعدى إلى مفعولين قال تعالى (وزدناهم هدى وزدناهم عذابا فوق العذاب) وزاده بسطة في العلم والجسم وقوله (فزادهم ايمانا) والمعنى: زادهم فوق الناس لهم ايمانا اضمر المصدر في الفعل واسند الفعل إليه كما قال (ما زادهم إلا نفورا) (2) أي ما زادهم مجئ النذير والمعنى ازدادوا عنده وقال أبو عبيدة المرض الشك والنفاق وقيل في قوله فيطمع الذي في قلبه مرض) أي فجور وقال سيبويه: مرضته قمت عليه ووليته وأمرضته: جعلته مريضا وقيل إن المرض الغم والوجع من الحسد والعداوة لكم (فزادهم الله مرضا) دعاء عليهم كما قال تعالى: (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم) (3) واصل المرض: السقم في البدن فشبه ما في قلوبهم من النفاق والشك بمرض الأجساد والأليم بمعنى المؤلم الموجع: فعيل بمعنى مفعل: مثل بديع بمعنى مبدع ومكان حريز بمعنى محرز فال ذو الرمة: يصك وجوهها وهج اليم فان قيل إذا كان معنى قوله: (في قلوبهم مرض) أي شك ونفاق ثم قال: (فزادهم الله مرضا) ثبت ان الله يفعل الكفر بخلاف ما تذهبون إليه قيل: ليس الامر على ما ذكرتم بل معناه: إن المنافقين كانوا كلما أنزل الله آية أو سورة كفروا بها فازدادوا بذلك كفرا إلى كفرهم وشكا إلى شكهم فجاز لذلك أن يقال: فزادهم الله مرضا لما ازدادوا هم مرضا عند نزول الآيات: ومثل ذلك قوله حكاية عن نوح: (رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) (4) وهم الذين ازدادوا فرارا عند دعائه: ومثل قوله: (فزادهم رجسا إلى رجسهم) (5) وإنما أراد انهم ازدادوا عند نزول الآية وكقوله: (فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري) (6) والمؤمنون ما أنسوهم ذكر الله بل كانوا يدعونهم إليه تعالى لكن لما نسوا ذكر الله عند ضحكهم من المؤمنين اتخاذهم إياهم سخريا جاز أن يقال: إن المؤمنين أنسوهم ويقول القائل لغيره إذا وعظه فلم يقبل نصيحته: قد كنت شريرا فزادتك نصيحتي شرا وإنما يريد أنه ازداد عنده فلما كان المنافقون فقد مرضت قلوبهم بما فيها من الشك ثم ازدادوا شكا وكفرا عندما كان تجدد من امر الله ونهيه وما ينزل من آياته جاز أن يقال: (فزادهم الله مرضا) فان قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون انزال الآيات مفسدة لأنهم يزدادون عند ذلك الكفر قلنا: ليس حد المفسدة ما وقع عنده الفساد وإنما المفسدة ما وقع عندها الفساد ولولاها لم يقع ولم يكن تمكينا وهذا تمكين لهم من النظر في معجزاته ودلائله فلم يكن استفسادا ولو كان الامر على ما قالته المجبرة: إن الله يخلق فيهم الكفر لقالت الكفار ما ذنبنا والله تعالى يخلق فينا الكفر ويمنعنا من الايمان فلم تلوموننا على ما فعله الله؟فتكون الحجة لهم لا عليهم وذلك باطل والتقدير في الآية في اعتقاد قلوبهم الذي يعتقدونه في الدين والتصديق بنبيه مرض وحذف المضاف واقام المضاف إليه مقامه قال الشاعر:

هلا سألت الخيل يا ابنة مالك * ان كنت جاهلة بما (7) لم تعلمي

يعني أصحاب الخيل كما قال: (يا خيل الله اركبي) يعني يا أصحاب خيل الله وكما قال تعالى: (واسأل القرية) (8) وإنما أراد أهلها وروي عن ابن عباس أن المرض المراد به الشك والنفاق وبه قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد والكذب ضد الصدق وهو الاخبار عن الشئ لا على هو به يقال كذب يكذب كذبا وكذابا - خفيف وثقيل - مصدران والكذب كالضحك والكذاب كالكتاب والاكذاب: جعل الفاعل على صفة الكذب والتكذب: التحلي بالكذب وجهة من ضم الياء شدد الذال أنه ذهب إلى أنهم استحقوا العذاب بتكذيبهم النبي - صلى الله عليه وآله - وبما جاء به ومن فتح الياء وخفف الذال قدر المضاف كأنه قال: بكذبهم وهو أشبه بما تقدم وهو قولهم: (آمنا بالله وباليوم الآخر) (9) فأخبر الله عنهم فقال: (وما هم بمؤمنين) ولذلك يحمد تكذيبهم وادخل كان ليعلم ان ذلك كان فيما مضى كقول القائل: ما أحسن ما كان زيدا وقال بعض الكوفيين: لا يجوز ذلك لان حذف كان إنما أجازوه في التعجب لان الفعل قد تقدمها فكأنه قال حسنا كان زيد ولا يجوز ذلك ههنا لان كان تقدمت الفعل.


1- وزيدا وزيدا وزيدا ومزيدا وزيدانا.

2- سورة فاطر آية 42.

3- سورة التوبة آية 128.

4- سورة نوح آية 6.

5- سورة التوبة آية 126.

6- سورة الأحزاب: آية 111.

7- في الطبعة الإيرانية (لما).

8- سورة يوسف: آية 82.

9- سورة البقرة: آية 8.