الآية 8

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾

التفسير:

(من) لفظ يخبر به عن الواحد من العقلاء واثنين وجماعة فلما قال: (وما هم بمؤمنين) دل على أنه أراد الجمع وإنما قال: (يقول) بلفظ الواحد حملا له على اللفظ قال الشاعر: نكن مثل من يا ذئب يصطحبان وقيل في معنى الناس وجهان:

أحدهما: أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه واحدهم إنسان والأنثى انسانة

والثاني: أن أصله: أناس فأسقطت الهمزة منها لكثرة الاستعمال إذا دخلها الألف واللام للتعريف ثم أدغمت لام التعريف في النون كما قيل: (لكنا هو الله) واصله: لكن انا وقال بعضهم: ان الناس لغة غير أناس وإلا لقيل في التصغير: أنيس ردا إلى أصله واشتقاقه من النوس: وهو الحركة ناس ينوس نوسا: إذا تحرك والنوس: تذبذب الشئ في الهواء ومنه نوس القرط في الاذن لكثرة حركته ولا خلاف بين المفسرين ان هذه الآية وما بعدها نزلت في قوم من المنافقين من الأوس والخزرج وغيرهم وروي ذلك عن ابن عباس وذكر أسماءهم ولا فائدة في ذكرها وكذلك ما بعدها إلى قوله: وما كانوا مهتدين) كلها في صفه هؤلاء المنافقين والمنافق هو الذي يظهر الاسلام بلسانه وينكره بقلبه واليوم الآخر هو يوم القيامة وإنما سمي يوم القيامة اليوم الآخر لأنه يوم لا يوم بعده سواه وقيل: لأنه بعد أيام الدنيا وأول أيام الآخرة فان قيل: كيف لا يكون بعده يوم ولا انقطاع للآخرة ولا فناء؟قيل: اليوم في الآخرة سمي يوما بليلته التي قبله فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم يوما فيوم القيامة يوم لا ليل بعده فلذلك سماه اليوم الآخر وإنما قال: (وما هم بمؤمنين) مع قوله: (من يقول آمنا بالله) تكذيبا لهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الايمان والاقرار بالبعث والنبوة فبين ان ما قالوه بلسانهم مخالف لما في قلوبهم وذلك يدل على أن الايمان لا يكون مجرد القول على ما قالته الكرامية (يقول) من القول ومنه: تقول إذا تخرص القول واقتال فهو مقيال: إذا أخذ نفعا إلى نفسه بالقول أو دفع به ضررا عنها والمقول اللسان يقوله تقويلا إذا طالبه باظهار القول