الآية 7

قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾

القراءة:

أجمع القراء السبعة على كسر الغين وضم التاء وروي عن بعض القراء فتح الغين وعن الحسن ضم الغين وحكي عن عاصم في الشواذ: غشاوة بنصب التاء ولا يقرأ بجميع ذلك.

التفسير:

(ختم الله على قلوبهم) أي شهد عليها بأنها لا تقبل الحق يقول القائل: أراك تختم على كل ما يقولون فلان أي تشهد به وتصدقه وقد ختمت عليك بأنك لا تعلم أي شهدت وذلك استعارة وقيل إن ختم بمعنى طبع فيها أثرا للذنوب كالسمة والعلامة لتعرفها الملائكة فيتبرءوا منهم ولا يوالوهم ولا يستغفروا لهم مع استغفارهم للمؤمنين وقيل: المعنى في ذلك أنه ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنها لا يدخلها الايمان ولا يخرج عنها الكفر قال الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادي

أي كأنه لا حياة فيه والختم آخر الشئ ومنه قوله تعالى: (ختامه مسك) (1) ومنه: خاتم النبيين أي آخرهم ومنه: ختم الكتاب لأنه آخر حال الفراغ منه والختم الطبع والخاتم الطابع وما يختم الله على القلوب من السمة والعلامة التي ذكرناها ليست بمانعة من الايمان كما أن ختم الكتاب والظرف والوعاء لا يمنع من أخذ ما فيه وحكي عن مجاهد أنه قال: الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الختم ومن الاقفال والقفل أشد من ذلك وقيل: إن قوله تعالى: (ختم الله) إخبار عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال: فلان أصم عن هذا الكلام إذا امتنع عن سماعه ورفع نفسه عن تفهمه والغشاوة: الغطاء وفيها ثلاث لغات: فتح الغين وضمها وكسرها وكذلك غشوة فيها ثلاث لغات ويقال: تغشاني السهم إذا تجلله وكل ما اشتمل على شئ مبني على فعالة كالعمامة والقلادة والعصابة وكذلك في الصناعة كالخياطة والقصارة والصباغة والنساجة غير ذلك وكذلك من استولى على شئ كالخلافة والامارة والإجارة وغير ذلك قال أبو عبيدة: (وعلى سمعهم) معناه على اسماعهم ووضع الواحد موضع الجمع لأنه اسم جنس كما قال: (يخرجكم طفلا) (2) يعني أطفالا ويجوزان يكون أراد موضع سمعهم فحذف لدلالة الكلام عليه ويجوز أن يكون أراد المصدر لأنه يدل على القليل والكثير فمن رفع التاء قال: الكلام الأول قد تم عند قوله: (وعلى سمعهم) واستأنف: (وعلى أبصارهم غشاوة) وتقديره: وغشاوة على أبصارهم ومن نصب قدره يعني: جعل على أبصارهم غشاوة كما قال الشاعر: علفتها تبنا وماء باردا وقال الآخر: متقلدا سيفا ورمحا لما دل الكلام الأول عليه فإذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه لا يجوز إضماره ويجوز أن ينصب بالفعل الأول الذي هو الختم ولان الختم لا يطلق على البصر كما ذكر في قوله تعالى: (وختم على سمعه وقلبه) ثم قال: (وجعل على بصره غشاوة) (3) فلم يدخل المنصوب في معنى الختم وقال قوم: إن ذلك على وجه الدعاء عليهم لا للاخبار عنهم وهذا يمكن في قوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وفي قوله (وعلى أبصارهم غشاوة) فيمن نصب غشاوة فاما من رفع ذلك فلا يكون دعاء والأقوى أن ذلك خبر لأنه خرج مخرج الذم لهم والازراء عليهم فكيف يحمل على الدعاء؟ويحتمل أن يكون المراد (بختم) أنه سيختم ويكون الماضي بمعنى المستقبل كما قال: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) (4) وعلى هذا يسقط سؤال المخالف والقلب جعل الشئ على خلاف ما كان يقال: قلبه يقلبه قلبا والقليب البئر لأن الماء ينقلب إليها وما به قلبة: أي انقلاب عن صحة وفلان حول قلب: إذا كان يقلب الأمور برأيه ويحتال عليها والقلوب الذئب لتقلبه في الحيلة على الصيد بخبثه وسمي القلب قلبا لتقلبه بالخواطر قال الشاعر:

ما سمي القلب إلا من تقلبه * والرأي يعزب والانسان أطوار

والبصر: مصدر بصر به يبصر بصرا بمعنى أبصره ابصارا والبصيرة: والابصار للحق بالقلب والبصائر قطع الدم لأنها ترى كثيرة للعسل (ولهم عذاب عظيم) باظهار التنوين لان النون تبين عند حروف الحلق وهي ستة أحرف: العين والغين والحاء والخاء والهمزة والهاء ومن هذه الأحرف ما لا يجوز فيه الاخفاء وهي العين كقوله: " من عندلله " و " من عليها " والهمزة نحو قوله: " غثاء أحوى " (5) والخاء والغين يجوز إخفاؤهما عندهم على ضعف فيه من قوله: " والمنخنقة " و (نارا خالدا) (فان خفتم) (من خلفهم) و (ميثاقا غليظا) (6) (ماء غدقا) (7) (قولا غير الذي) (8) قال الفراء: أهل العراق يبينون وأهل الحجاز يخفون وكل صواب فان قيل: إذا قلتم: ان الله ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فكيف يكونون قادرين على الايمان؟قيل: يكونون عليه لان الختم والغشاوة ليسا بشئ يفعلهما الله تعالى في القلب والعين يصد بهما عن الايمان ولكن الختم شهادة على ما فسرناه من الله عليهم بأنهم لا يؤمنون وعلى قلوبهم بأنها لا تعي الذكر ولا تعي الحق وعلى اسماعهم بأنها لا تصغي إلى الحق وهذا إخبار عمن يعلم منه أنه لا يؤمن والغشاوة هي " إلفهم الكفر بحبهم له " (9) ولم يقل تعالى: إنه جعل على قلوبهم بل أخبر انه كذلك ومن قرأ بالنصب - وإن كان شاذا - يحتمل أن يكون أراد معنى قوله: ان السورة زادتهم رجسا إلى رجسهم والسورة لم تزدهم ولكنهم ازدادوا عندها وسنوضح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى (ولهم عذاب عظيم) تقديره: ولهم بما هم عليه من خلافك عذاب عظيم وحكي ذلك عن ابن عباس وأصل العذاب الاستمرار بالشئ يقال: عذبه تعذيبا: إذا استمر به الألم وعذب الماء عذوبة: إذا استمر في الحلق وحمار عاذب وعذوب: إذا استمر به العطش فلم يأكل من شدة العطش وفرس عذوب مثل ذلك والعذوب الذي ليس بينه وبين السماء ستر وأعذبته عن الشئ بمعنى فطمته وعذبة السوط طرفه والعذاب استمرار الألم وأصل العظم عظم الشخص ومنه عظيم الشأن الغني بالشئ عن غيره وعظمة الله تعالى كبرياؤه والعظام من العظم لأنه من أكبر ما يركب منه البدن.


1- سورة المطففين: آية 26.

2- سورة الحج آية 5.

3- سسورة الجاثية آية 22.

4- سورة الأعراف آية 43.

5- سورة الاعلى آية 5.

6- سورة النساء آية 20 و 153.

7- سورة الجن: آية 16.

8- سورة البقرة: آية 59.

9- في الأصل بياض وفي النسخة الإيرانية احتمالات استنتجنا منها العبارة الموجودة.