الآية 2
قوله تعالى: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
المعنى:
معناه نور وضياء ودلالة للمتقين من الضلالة وإنما خص المتقين بذلك وإن كان هدى لغيرهم من حيث إنهم هم الذين اهتدوا به وانتفعوا به كما قال: " إنما تنذر من اتبع الذكر " (1) وإن كان انذر من لم يتبع الذكر ويقول القائل: في هذا الامر موعظة لي أو لك وإن كان فيه موعظة لغيرهما ويقال هديت فلانا الطريق إذا أرشدته ودللته عليه أهديه هداية.
الاعراب:
ويحتمل أن يكون منصوبا على الحال من الكتاب وتقديره ذلك الكتاب هاديا للمتقين وذلك يكون مرفوعا بالم والكتاب نعت لذلك ويحتمل أن يكون حالا من الهاء في (فيه) كأنه قال: لا ريب فيه هاديا ويحتمل أن يكون رفعا من وجوه:
أولها: أن يكون خبرا بعد خبر كأنه قال: هذا كتاب هدى أي قد جمع انه الكتاب الذي وعدوا به وانه هدى كما يقولون: هذا حلو حامض يريدون انه قد جمع الطعمين ويحتمل أن يكون رفعا بأنه خبر ابتداء محذوف وتقديره هو هدى لان الكلام الأول قد تم ويحتمل أن يكون رفعه على قولك ذلك الكتاب لا ريب كأنك قلت: هذا الكتاب حق لان لا شك بمعنى حق ثم قال بعد ذلك فيه هدى للمتقين وهدى يذكر في جميع اللغات وحكي عن بعض بني أسد هذه هدى حسنة تدغم النون في اللام عند الأكثر (والمتقين) مجرور باللام والمتقي هو الذي يتقي بصالح اعماله عذاب الله مأخوذ من اتقاء المكروه بما يجعله حاجزا بينه وبينه كما قال أبو حية النميري:
وألقت قناعا دونه الشمس واتقت * بأحسن موصولين كف ومعصم
وقيل إن المتقين هم الذين اتقوا ما حرم عليهم وفعلوا ما وجب عليهم وقيل إن المتقين هم الذين يرجون رحمة الله ويحذرون عقابه وقيل إن المتقين هم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق وهذا الوجه ضعيف لأنه يلزم عليه وصف الفاسق المتهتك بأنه متق إذا كان بريا من الشرك والنفاق وأصل الاتقاء الحجز بين الشيئين ومنه اتقاه بالترس لأنه جعله حاجزا بينه وبينه واتقاه بحق كذلك ومنه الوقاية لأنها تحجز بين الرأس والأذى ومن التقية في اظهار خلاف الابطان والفرق بينه وبين النفاق: ان المنافق يظهر الخير ويبطن الشر والمتقي يظهر القبيح ويبطن الحسن ويقال وقاه يقيه وقاية وتوقاه توقيا
1- سورة يس آية 11.