الآية 1

آلم

آية عند الكوفيين

المعنى:

واختلف العلماء في معنى أوائل هذه السور مثل (آلم) و (المص) و (كهيعص) و (طه) و (صاد) و (قاف) و (حم) وغير ذلك على وجوه فقال بعضهم انها اسم من أسماء القرآن ذهب إليه قتادة ومجاهد وابن جريح وقال بعضهم هي فواتح يفتح بها القرآن روي ذلك عن مجاهد أيضا واختاره البلخي وفائدتها أن يعلم ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها وذلك معروف في كلام العرب وأنشد بعضهم بل وبلدة ما الانس من أهلها (1) ويقول آخر بل ما هيج أحزانا وشجوا قد شجا وقوله (بل) ليس من الشعر وإنما أراد أن يعلم أنه قطع كلامه وأخذ في غيره وأنه مبتدأ الذي أخذ فيه غير ناسق له على قبله.

وقال بعضهم هي اسم للسورة روي ذلك عن زيد بن أسلم والحسن وقال بعضهم هي اسم الله الأعظم وروي ذلك عن السدي إسماعيل وعن الشعبي وقال بعضهم هي قسم اقسم الله به وهي من أسمائه وروي ذلك عن ابن عباس وعكرمة وقال قوم هي حروف مقطعة من أسماء واقعا كل حرف من ذلك بمعنى غير معنى الحرف الاخر يعرفه النبي صلى الله عليه وآله نحو قال الشاعر:

نادوهم أن ألجموا ألاتا * قالوا جميعا كلهم ألافا

يريد ألا تركبون قالوا ألا فاركبوا وقال آخر: قلنا لها قفي فقالت قاف بمعنى قالت انا واقفه روى ذلك أبو الضحى عن ابن عباس وعن ابن مسعود وجماعة من الصحابة وقال بعضهم هي حروف هجاء موضوعة روي ذلك عن مجاهد وقال بعضهم هي حروف هجاء يشتمل كل حرف على معان مختلفة روي ذلك عن أنس واختاره الطبري وقال بعضهم هي حروف من حساب الجمل وقال بعضهم لكل كتاب سر وسر القرآن في فواتحه هذه أقوال المفسرين فاما أهل اللغة فإنهم اختلفوا فقال بعضهم هي حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تمام ثمانية وعشرين حرفا كما يستغنى بذكر أب ت ث عن ذكر الباقي وبذكر قفا نبك عن ذكر باقي القصيدة قالوا ولذلك رفع ذلك الكتاب لان معناه عن الألف واللام والميم من الحروف المقطعة وقوله ذلك الكتاب الذي أنزلته إليك مجموعا لا ريب فيه كما قالوا في أبي جاد أب ت ث ولم يذكروا باقي الحروف وقال راجز بني أسد:

لما رأيت أمرها في حطي * أخذت منها بقرون شمط

فأراد الخبر عن المرأة بأنها من أبي جاد فأقام قوله في حطي مقامه لدلالة الكلام عليه وقال آخرون بل ابتدئت بذلك أوائل السور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين إذ تواصوا بالاعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم آلم وقال بعضهم الحروف التي هي أوائل السور حروف يفتتح الله بها كلامه وقال أبو مسلم: المراد بذلك ان هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته ولم تقدروا على الاتيان بمثله هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم فحيث لم تقدروا عليه فاعلموا انه من فعل الله وإنما كررت في مواضع استظهارا في الحجة وحكي ذلك عن قطرب وروي في اخبارنا ان ذلك من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله واختاره الحسين بن علي المغربي وأحسن الوجوه التي قبلت قول من قال: انها أسماء للسور خص الله تعالى بها بعض السور بتلك كما قيل للمعوذتين: المقشقشتان أي تبرءان من النفاق وكما سميت الحمد أم القرآن وفاتحة الكتاب ولا يلزم أن لا تشترك سورتان أو ثلاث في اسم واحد وذلك أنه كما يشترك جماعة من الناس في اسم واحد فإذا أريد التمييز زيد في صفته وكذلك إذا أرادوا تمييز السورة قالوا: ألم ذلك ألم الله ألم وغير ذلك وليس لاحد أن يقول: كيف تكون أسماء للسور والاسم غير المسمى فكان يجب ألا تكون هذه الحروف من السورة وذلك خلاف الاجماع قيل: لا يمتنع أن يسمى الشئ ببعض ما فيه ألا ترى انهم قالوا: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ولا خلاف انها أسماء للسور وان كانت بعضا للسور ومن فرق بين الأشخاص وغيرها في هذا المعنى: فأوجب في الأشخاص أن يكون الاسم غير المسمى ولم يوجب في غيرها فقد أبعد لأنه لا فرق بين الموضعين على ما مضى القول فيه ولا يلزم أن تسمى كل سورة بمثل ذلك لان المصلحة في ذلك معتبرة وقد سمى الله كل سورة بتسمية تخصها وإن لم تكن من هذا الجنس كما أنه لما سمى الحمد بأسمائها لم يلزم ذلك في كل سورة وقيل إنها أوائل أسماء يعلم النبي صلى الله عليه وآله تمامها والغرض بها نحو ما رويناه عن ابن عباس كما قال الشاعر: سألتها الوصل فقالت: قاف يعني: وقفت وقال آخر: بالخير خيرات وإن شرافا يريد: فشرا وقال آخر: ولا أريد الشر إلا أن تا يعني: إلا أن تشاء وقال آخر:

ما للظليم (2) عال (3) كيف لا يا * ينقد عنه جلده إذا يا

أي: إذا يفزع فعلى هذا يحتمل أن يكون الألف: انا واللام: الله والميم: اعلم وكذلك القول في لحروف وعلى هذا لا موضع (لألف لام ميم) من الاعراب وعلى قول من قال إنها أسماء السور موضعها الرفع كأنه قال هذه ألم أو يكون ابتداءه ويكون خبره ذلك الكتاب واجمع النحويون على أن هذه الحروف وجميع حروف الهجاء مبنية على الوقف لا تعرب كما بني العدد على الوقف ولاجل ذلك جاز ان يجمع بين ساكنين كما جاز ذلك في العدد تقول واحد اثنان ثلاثة أربعة فتقطع الف اثنين وهي الف وصل وتذكر الهاء في ثلاثة وأربعة فلو لم تنو الوقف لقلت ثلاث بالثاء وحكي عن عاصم في الشواذ وغيره آلم الله بقطع الهمزة الباقون بفتح الميم وقالوا فتح الميم لالتقاء الساكنين وقال قوم: لأنه نقل حركة الهمزة إليه واختار أبو علي الأول لان همزة الوصل تسقط في الوصل فلا يبقى هناك حركة تنقل وأنشد في نقل حركة همزة الوصل قول الشاعر:

أقبلت من (4) عند زياد كالخرف * تخط رجلاي بخط مختلف

فيكتبان في الطريق لام الف ومتى أجريتها مجرى الأسماء لا الحكاية وأخبرت عنها قلت: هذه كاف حسنة وهذا كاف حسن وكذلك باقي الحروف فتذكر وتؤنث فمن أنث قصد الكلمة ومن ذكر قصد الحرف فأما إعراب: أبي جاد هواز وحطي وكلمن فزعم سيبويه انها مصر وفات تقول: علمت أبا جاد ونفعني أبو جاد وانتفعت بأبي جاد وكذلك هواز وهواز وهوازا وحطيا وحطي وحطي وأما كلمن وسعفص وقرشيات فأعجميات تقول: هذه كلمن وتعلمت كلمن وانتفعت بكلمن وكذلك سعفص وقرشيات اسم للجمع مصروفة لأجل الألف والتاء وأما معنى أبي جاد فقال الضحاك: انها أسماء الأيام الستة التي خلق الله تعالى فيها الدنيا وقال الشعبي: انها أسماء ملوك مدين وأنشد:

ألا يا شعيب قد نطقت مقالة * سببت بها عمروا وأوحى بني عمرو

ملوك بي حطي وهواز منهم * وسعفص أهل للمكارم والفخر

هم صبحوا أهل الحجاز بغارة * لميل شعاع الشمس أو مطلع الفجر

وروي عن ابن عباس ان لأبي جاد حديثا عجيبا أبي: آدم جد في اكل الشجرة " وهواز: فزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض واما حطي فحطت عنه خطيئته واما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة وسعفص: وعصى آدم فاخرج من النعيم إلى الكبد (5) وقرشيات: أقر بالذنب فسلم من العقوبة وهذا خبر ضعيف يتضمن وصف آدم وهو نبي بما لا يليق به وقال قوم: انها حروف من أسماء الله وروي ذلك عن معاوية بن قرة عن النبي صلى الله عليه وآله ذلك الكتاب هذه لفظة يشاربها إلى ما قرب وذلك إلى ما بعد وذاك إلى ما بينهما ويحتمل أن يكون معنى ذلك ههنا هذا على قول عكرمة وجماعة من أهل العربية كالأخفش وأبي عبيدة وغيرهما قال:

أقول له والرمح يأطر (6) متنه * تأمل خفافا انني أنا ذلكا

أي انني انا هذا وقال تعالى ذلك عالم الغيب والشهادة وهو موجود في الحال وإنما جاز أن يستعمل هذا وهي إشارة إلى حاضر بمعنى ذلك وهي إشارة إلى غايب لأنه كالحاضر عند الغايب ألا ترى ان الرجل يحدث حديثا فيقول السامع هذا كما قلت وربما قال إن ذلك كما قلت وإنما جاز ذلك لقرب جوابه من كلام المخبر وكذلك لما قال تعالى (آلم) وذكرنا معنى ذلك قال لنبيه: يا محمد هذا الذي ذكرته وبينته ذلك الكتاب فلذلك حسن وضع ذلك في مكان هذا إلا أنه إشارة إلى ما مضى وقال قوم: ان معناه ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى كما قال الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعني: هذا ذلك الكتاب وقال قوم: إنما أشار إلى ما كان نزل من القرآن بمكة من السور فقال ذلك والأول أقوى لأنه أشبه بأقوال المفسرين واما من حمل على أنه أشار به إلى التوراة والإنجيل فقد أبطل لأنه وصفه بأنه لا ريب فيه وانه هدى للمتقين وصف ما في أيديهم بأنه مغير محرف في قوله: " يحرفون الكلم عن مواضعه " (7).


1- في اللسان وفي تفسير الطبري (اهالها).

2- الظليم: ذكر النعام.

3- عال: دعاء عليه من قولهم: عال عوله أي ثكلته أمه فاختصر في الطبعة الإيرانية " غال " بدل " عال " و " ينقل " بدل " ينقد " و " جلد " بدل " جلده " والصحيح ما ذكرناه.

4- في الطبعة الإيرانية " عن " والصحيح ما ذكرنا.

5- الكبد: الشدة.

6- في الطبعة الإيرانية (ناظر) والصحيح ما ذكرناه كما في الأغاني.

7- سورة النساء آية 45.