الآية 61

قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

القراءة:

قرأ أبو بكر عن عاصم " السلم " بكسر السين. الباقون بفتحها وفي ذلك ثلاث لغات: الفتح والكسر مع سكون اللام، وفتح السين واللام معا ومعناها المسالمة ولذلك أنث قال رجل من اليمن جاهلي:

أنا بل انني سلم * لأهلك فاقبلي سلمى (1)

قال أبو الحسن: السلم فيها الكسر والفتح لغتان. وقال غيره: السلم بفتح السين واللام على ثلاثة أوجه. تقول: أخذت الأسير سلما اي على الاستسلام. والسلم السلف على السلامة. والسلم شجر واحده سلمة، تقول له بالسلامة. وقوله: " وان جنحوا للسلم " معناه ان مالوا إلى المسالمة، تقول: جنح يجنح جنوحا وجنحت السفينة إذا مالت إلى الوقوف، ومنه جناح الطائر لأنه يميل به في أحد شقيه. ولا جناح عليه في كذا اي لا ميل إلى مأثم، قال أبو زيد: جنح يجنح جنوحا إذا اعطى بيده أو عدل إلى ما يحب القوم، وجنح العدو والخيل، وجنحت الإبل إذا أخفضت في السير. وليس في الآية ما يدل على أن الكفار إذا ما لو إلى الهدنة وجب اجابتهم إليها على كل حال، لان الأحوال تختلف في ذلك، فتارة تقتضي الإجابة، وتارة لا تقتضي، وذلك إذا وتروا المسلمين بأمر يقتضي الغلظة مع حصول العدة والقوة. فان قيل: إذا جازت الهدنة مع الكفار فهلا جاز المكافة في أمر الإمامة حتى يجوز تسليمها إلى من لا يستحقها؟قلنا: تسليم الإمامة إلى من لا يستحقها فساد في الدين كفساد تسليم النبوة إلى مثله. وقوله " وتوكل على الله " اي فوض امرك إليه تعالى وثق بأنه لا يدبره الا على ما تقتضيه الحكمة. واختلفوا هل في الآية نسخ؟فقال الحسن وقتادة وابن زيد: نسخها قوله: " اقتلوا المشركين " (2) وقال قوم: ليست منسوخة، لأنها في الموادعة لأهل الكتاب والأخرى في عباد الأوثان، والصحيح أنها ليست منسوخة، لان قوله: " اقتلوا المشركين " نزلت في سنة تسع وبعث بها رسول الله إلى مكة ثم صالح أهل نجران بعد ذلك على الفي حلة: ألف في صفر وألف في رجب. وقوله " إنه هو السميع العليم " معناه انه يسمع دعاء من يدعوه عليم بما تقتضي المصلحة من اجابته وحسن تدبيره.


1- مجاز القرآن 1 / 250 والتاج واللسان (سلم).

2- سورة 9 التوبة آية 6.