الآية 54
قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾
إنما أعاد قوله: " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم " لا على وجه التكرار بلا فائدة بل لوجهين:
أحدهما: قال أبو علي: لأنه على نوعين مختلفين من العقاب.
وقال الرماني: فيه تصريف القول في الذم بما كانوا عليه من قبح الفعل وتقدير الكلام: دأب هؤلاء الكفار مثل دأب آل فرعون. ويحتمل أن يكون كناية عن هؤلاء الكفار " كذبوا بآياتنا ". والتكذيب نسبة الخبر إلى الكذب، فالتكذيب بالحق مذموم، والتكذيب بالباطل - لأنه باطل - ظاهره امره محمود، وإنما وجب في التكذيب بآيات الله تعجيل العقوبة، ولم يجب ذلك في غيره، لما في تعجيل عقوبتهم من الزجر لغيرهم، فيصلحون به مع علم الله بأنه ليس فيهم من يفلح - على مذهب من يقول: لو علم الله ان فيهم من يؤمن، لابقاه. وإنما كان التكذيب بآيات الله من أعظم الاجرام، لما يتبعه من تضييع حقوق الله فيما يلزم من طاعاته التي لا تصح الا بالتصديق بآياته التي جاءت بها رسله. اخبر الله انه كما أهلك هؤلاء الكفار بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله كذلك أهلك من الكفار قوما آخرين بتكذيبهم بآيات الله، وأغرق آل فرعون بمثل ذلك، ثم اخبر ان كل هؤلاء كانوا ظالمين لنفوسهم بارتكاب معاصي الله وبترك طاعاته.