الآية 53
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
الإشارة بقوله: " ذلك " إلى ما تقدم ذكره من اخذ الله الكفار بالعقاب فكأنه قال ذلك العقاب المدلول عليه بأن الله لا يغير النعمة إلى النقمة إلا بتغيير النفس إلى الحال القبيحة، ف? " ذلك " ابتداء وخبره " بان الله " كما يقول القائل: العقاب بذنوب العباد، والكاف في " ذلك " للخطاب و " ذلك " إشارة إلى البعيد و " ذاك " إشارة إلى ما دونه، و " ذا " إشارة إلى ما هو حاضر. وقوله " لم يك " أصله يكون فحذفت الواو للجزم والتقاء الساكنين، ثم حذفت النون استخفافا لكثرة الاستعمال مع أنه لا يقع بالحذف إخلال بالمعنى، لان " كان ويكون " أم الافعال الا ترى أن كل فعل فيه معناها، لأنك إذا قلت ضرب معناه كان ضرب: ويضرب معناه يكون يضرب فلما قربت بأنها أم الافعال وكثر استعمالها احتمل الحذف ولم يحتمل نظائرها، وذلك مثل لم يجز ولم يصن كما جاز فيما. والتغيير تصيير الشئ على خلاف ما كان بما لو شوهد لشوهد على خلاف ما كان. وإنما قيل بما لو شوهد لشوهد على خلاف ما كان للتفريق بينه وبين ما يصير على خلاف ما كان بالحكم فيه بما لم يكن عليه، ألا ترى ان المعلوم بعد ان لم يكن معلوما لا يتغير بهذا العلم، لأنه لو شوهد لم يشاهد على خلاف ما كان، والقدرة شوهدت على خلاف ما يشاهد العجز. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة، لأنها تدل على أنه لا يكون العقاب الا بتغيير النفس إلى ما لا يجوز ان يغير إليه، وهذا يبين انه لا يحسن من الله العقاب الا لمن فعل قبيحا أو أخل بواجب، وذلك يبطل قول من قال: يجوز ان يعاقب الله البرئ بجرم السقيم، وجملة معنى الآية إنا أخذنا هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا من مشركي قريش ببدر بذنوبهم، وتغييرهم نعمة الله عليهم من بعث رسوله وتكذيبهم إياه واخراجهم له من بين أظهرهم، ففعلنا بهم مثل ما فعلنا بالماضين من الكفار.