الآية 43

قوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾

التقدير واذكر يا محمد " إذ يريكهم الله في منامك قليلا " والهاء والميم كناية عن الكفار الذين قاتلوه يوم بدر " ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر " وهذه الرؤية كانت في المنام عند أكثر المفسرين. والرؤيا في المنام تصور يتوهم معه الرؤية في اليقظة والرؤيا على أربعة أقسام: رؤيا من الله عز وجل، ولها تأويل ورؤيا من وسوسة الشيطان، ورؤيا من غلبة الاخلاط، ورؤيا من الأفكار، وكلها أضغاث أحلام إلا الرؤيا من قبل الله تعالى التي هي إلهام في المنام يتصور به الشئ كأنه يرى في اليقظة. ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله هذه بشارة له، وللمؤمنين بالغلبة وقال الحسن: معنى " في منامك " في عينك التي تنام بها، وليس من الرؤيا في النوم، وهو قول البلخي، وهو بعيد، لأنه خلاف الظاهر من مفهوم الكلام. قال الرماني: ويجوز أن يريه الله الشئ في المنام على خلاف ما هو به، لان الرؤيا في المنام يخيل له المعنى من غير قطع وإن جاء معه تطلع من الانسان على المعنى وإنما ذلك على مثل تخييل السراب ماء من غير تطلع على أنه ماء، فهذا يجوز ان يفعله الله. ولا يجوز ان يلهمه اعتقاد الشئ على خلاف ما هو به. لان ذلك يكون جهلا، ولا يجوز أن يفعله الله تعالى. والنوم ضرب من السهو يزول معه معظم الحس، تقول نام ينام نوما ونومه تنويما وأنامه إنامة وتناوم تناوما واستنام استنامة. و (المنام) موضع النوم والمضطجع موضع الاضطجاع. و (القلة) نقصان عن عدد، كما أن الكثرة زيادة على عدد يقال: قل يقل قلة وقلله تقليلا، واستقل استقلالا وتقلل تقللا. والشئ يكون قليلا بالإضافة إلى ما هو أكثر منه. ويكون كثيرا بالإضافة إلى ما هو أقل منه. وأقله إقلالا إذا أطاقه فصادفه قليلا في طاقته، فهو مشتق من هذا واستقل من المرض إذا قوي قوة يزول بها المرض اي وجده قليلا في قوته لا يعتد به. وقوله " لفشلتم " فالفشل ضعف الوجل لان الضعف قد يكون لمرض من غير فزع وقد يكون من فزع. فالفشل إنما هو الضعف عن فزع. وفشل يفشل فشلا فهو فاشل، وفشله تفشيلا: إذا نسبه إلى الفشل، وتفاشلوا تفاشلا. وقوله " ولتنازعتم " فالتنازع الاختلاف الذي يحاول كل واحد منهم نزع صاحبه مما هو عليه تنازعوا تنازعا، ونازعه منازعة ونزع عن الامر ينزع نزوعا، واستنزعه إذا طلب نزوعه. وانتزعه إذا اقتلعه عن مكانه. وقوله " ولكن الله سلم " فالسلامة النجاة من الآفة. سلم يسلم سلامة وأسلمه إسلاما إذا دفعه على السلامة، وأسلم الانسان إذا دخل في السلامة من جهة الدين وسلمه تسليما إذا نجاه. واستسلم استسلاما إذا سلم نفسه للامر، وتسلم تسلما إذا طلب السلامة، واستلم الحجر إذا طلب لمسه على السلامة وسالمه مسالمة، وتسالما تسالما. وقوله " إنه عليم بذات الصدور " فالصدر الموضع الأجل لكون القلب فيه. وصدر المجلس أجله، لأنه موضع الرئيس، وصدر الدار مشبه بصدر الانسان لأنه المستقبل منه كاستقباله من الانسان يقال صدر يصدر صدورا وأصدره إصدارا وتصدر تصدرا وصدره تصديرا وصادره مصادرة، وتصادروا تصادرا. ففائدة الآية إن الله لطف للمؤمنين بما لو لم يكن لفشلوا ولاضطرب أمرهم واختلفت كلمتهم. ولكن سلمهم الله من ذلك بلطفه لهم واحسانه بهم حتى بلغوا ما أرادوه من عدوهم.