الآية 41
قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
الغنيمة ما اخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال. وهي هبة من الله تعالى للمسلمين. والفئ ما اخذ بغير قتال في قول عطا بن السائب، وسفيان الثوري وهو قول الشافعي، وهو المروي في اخبارنا. وقال قوم: الفئ والغنيمة واحد. وقالوا هذه الآية ناسخة للتي في الحشر من قوله " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " (1) لأنه بين في هذه الآية ان الأربعة أخماس للمقاتلة. وعلى القول الأول لا يحتاج إلى هذا، وعند أصحابنا ان مال الفئ للامام خاصة يفرقه فيمن شاء بعضه في مؤنة نفسه وذوي قرابته. واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل بيت رسول الله ليس لسائر الناس فيه شئ. واما خمس الغنيمة، فإنه يقسم عندنا ستة أقسام: فسهم الله، وسهم لرسوله للنبي، وهذان السهمان مع سهم ذي القربى، للقائم مقام النبي صلى الله عليه وآله ينفقها على نفسه وأهل بيته من بني هاشم، وسهم لليتامى: وسهم للمساكين: وسهم لأبناء السبيل من أهل بيت الرسول لا يشركهم فيها باقي الناس لان الله تعالى عوضهم ذلك عما أباح لفقراء المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم من الصدقات إذا كانت الصدقات محرمة على أهل بيت الرسول عليهم السلام وهو قول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن علي الباقر ابنه عليهم السلام رواه الطبري باسناده عنهما. وقال الحسين بن علي المغربي حاكيا عن الصابوني من أصحابنا، إن هؤلاء الثلاثة فرق لا يدخلون في سهم ذي القربى وإن كان عموم اللفظ يقتضيه، لان سهامهم مفردة، وهو الظاهر من المذهب. والذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب، لان هاشما لم يعقب إلا منه: من الطالبيين والعباسيين والحارثيين واللهبيين، فاما ولد عبد مناف من المطلبيين، فلا شئ لهم فيه، وعند أصحابنا الخمس يجب في كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه. ويمكن الاستدلال على ذلك بهذه الآية، لان جميع ذلك يسمى غنيمة. وقال ابن عباس، وإبراهيم، وقتادة، وعطا: الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله وسهم الرسول واحد. وقال قوم: يقسم أربعة أقسام سهم لبني هاشم وثلاثة للذين ذكروا بعد ذلك من سائر المسلمين، ذهب إليه الشافعي. وقال أهل العراق: يقسم الخمس ثلاثة أقسام، لان سهم الرسول صرفه الأئمة الأربعة إلى الكراع والسلاح. وقال مالك: يقسم على ما ذكره الله. ويجوز للامام ان يخرج عنهم حسب ما يراه وإنما جاء على طريق الأولى في بعض الأحوال. وقال أبو العالية - وهو رجل من صالحي التابعين - يقسم ستة أقسام، فسهم الله للكعبة، والباقي لمن ذكر بعد ذلك. وقال ابن عباس ومجاهد: ذو القربى هم بنو هاشم، وقد بينا نحن ان المراد بذي القربى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله: وبعد النبي القائم مقامه، وبه قال علي بن الحسين عليه السلام وروى جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله انهم بنو هاشم، وبنوا المطلب واختاره الشافعي وقال الحسن وقتادة: سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى لولي الأمر من بعده وهو مثل مذهبنا. وقال أبو علي الجبائي: إن الأئمة الأربعة جعلوا سهم الرسول وذي القربى في الكراع والسلاح واجمعوا على أن سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل شائع في الناس بخلاف ما قلناه. واليتيم من مات أبوه وهو صغير قبل البلوغ. وكل حيوان يتيم من قيل أمه إلا ابن آدم، فإنه من قبل أبيه. واما ابن السبيل، فهو المنقطع به في سفره. وإنما قيل ابن السبيل بمعنى اخرجه إلى هذا المستقر، كما يخرجه أبوه من مستقره لقي محتاجا. والمسكين المحتاج الذي من شأنه ان تسكنه الحاجة عما ينهض به الغنى. وقوله " فأن الله خمسه " قيل في فتح (ان) قولان:
أحدهما: فعلى ان لله خمسه وحذف حرف الجر فنصب.
الثاني: انه عطف على (ان) الأولى وحذف خبر الأولى لدلالة الكلام عليه، وتقديره اعلموا ان ما غنمتم من شئ يجب قسمته واعلموا ان لله خمسه. قال الفراء: إنه جزاء بمنزلة " ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا " (2) قال الرماني: هذا غلط لان (ان) لا تدخل على الجزاء إلا مع العماد، كما لا تدخل (ان) إلا على هذا الوجه. وقوله " إن كنتم آمنتم بالله واما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " معناه اعلموا أنما غنمتم من شئ لهؤلاء الذين ذكرناهم ان كنتم مؤمنين بالله مصدقين له في اخباره وما أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وآله من القرآن. وقال الزجاج يجوز أن يكون قوله " إن كنتم آمنتم بالله " متعلقا بقوله " فاعلموا ان الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير. ان كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان " اي فأيقنوا ان الله ناصركم إذ كنتم شاهدتم من نصره ما شاهدتم. ومعنى " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان " يوم بدر وسمي يوم الفرقان لأنه تميز أهل الحق مع قلة عددهم من المشركين مع كثرة عددهم بنصر الله المؤمنين. وقيل كان يوم السابع عشر من شهر رمضان وقيل التاسع عشر، سنة اثنتين من الهجرة؟وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام ثم قال " والله على كل شئ قدير " اي هو قادر على مجازاة من اطاعه بجزيل الثواب، وعلى عقاب من عصاه بأليم العذاب.
1- سورة 59 الحشر آية 7.
2- سورة 9 التوبة آية 64.