الآية 36

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾

آية في الكوفي والمدنيين وآيتان في البصري خاصة. أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار بأنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وغرضهم المنع عن سبيل الله. وسبيل الله ههنا، هو دين الله الذي أتى به محمد صلى الله عليه وآله وسمي سبيل الله ههنا، لان بسلوكه واتباعه يبلغ ما عند الله، وإن لم يعلموا أنها سبيل الله لأنهم قصدوا إلى الصد عنها، وهي سبيل الله على الحقيقة. ويجوز أن يقال قصد الصد عن سبيل الله، وإن لم يعلم. ولا يجوز قصد أن يصد من غير أن يعلم، لان (أن) تفسر الوجه الذي منه قصد، فلا يكون إلا مع العلم بالوجه كقولك قصد أن يكذب، وقصد الكذب من غير أن يعلم أن كذب. وإنما قال " ينفقون " ثم قال " فسينفقونها "، لان الأول معناه ان من شأنهم ان ينفقوا للصد، والثاني - معناه انه سيقع الانفاق الذي يكون حسرة بما يرونه من الغلبة. والحسرة الغم بما انكشف من فوت استدراك الخطيئة. والأصل الكشف من قولهم حسر عن ذراعه يحسر حسرا والحاسر خلاف الدارع. وحسر حسرة وهو حسير قال المراد:

ما انا اليوم على شئ خلا * يا بنة ألقين تولي يحسرا (1)

وكان الانفاق المذكور في الآية القائم به أبو سفيان: صخر بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة في قول سعيد، وابن ابرى، ومجاهد والحكم ابن عيينة. وفي ذلك قال كعب بن مالك:

وجئنا إلى موج من البحر وسطه * أحابيش منهم حاسر ومقنع

ثلاثة آلاف ونحن نصية * ثلاث مئين ان كثرن فأربع (2)

وقال الضحاك: إنما عنى بالآية الانفاق يوم بدر. وفي الآية دلالة على نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه اخبر بالشئ قبل كونه فكان على ما اخبر به.


1- اللسان (حسر). الحسر: الندامة. والقين العبد المملوك.

2- سيرة ابن هشام 3 / 141، طبقات فحول الشعراء: 183. والطبري 13 / 530 ومقاييس اللغة 2 / 129.