الآية 176

قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ نافع في جميع القرآن (يحزنك) - بضم الياء - إلا قوله: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) (1). الباقون بفتح الياء في جميع القرآن. وقرأ أبو جعفر عكس ما قرأ نافع. فإنه فتح في جميع القرآن إلا قوله (لا يحزنهم) فإنه ضم الياء وحكى البلخي عن ابن أبي محيص الضم في الجميع.

اللغة:

قال سيبويه: تقول: فتن الرجل، وفتنته. وحزن، وحزنته. وزعم الخليل أنك حيث قلت فتنته، وحزنته، لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا. كما انك حين قلت: أدخلته جعلته داخلا، ولكن أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا، وفتنة. فقلت فتنته كما قلت كحلته أي جعلت فيه كحلا. ودهنته جعلت فيه دهنا. فجئت بفعلته - على حده - ولم ترد بفعلته ههنا نفس قولك حزن وفتن ولو أردت ذلك لقلت أحزنته وأفتنته. وفتن من فتنته مثل حزن من حزنته قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل وأحزنته إذا جعلته حزينا، وفاتنا، فغيره إلى أفعل - هذا حكاه أبو علي الفارسي حجة لنافع - وقال قوله: (لا يحزنهم) إنما ضم على خلاف أصله لعله اتبع أثرا أو أحب الاخذ بالوجهين.

المعنى:

والمعني بقوله: (الذين يسارعون في الكفر) - على قول مجاهد - وابن إسحاق - المنافقون. وفي قول أبي علي الجبائي: قوم من العرب ارتدوا عن الاسلام. فان قيل: كيف قال: (يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة) والإرادة لا تتعلق بألا يكون الشئ وإنما تتعلق بما يصح حدوثه؟قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: قال ابن إسحاق: (يريد الله) أن يحبط أعمالهم بما استحقوه من المعاصي والكبائر.

والثاني: ان الله يريد أن يحكم بحرمان ثوابهم الذي عرضوا له بتكليفهم، وهو الذي يليق بمذهبنا، لان الاحباط عندنا ليس بصحيح فان قيل كيف قال: (يريد الله) وهذا إخبار عن كونه مريدا في حال الاخبار، وإرادة الله تعالى لعقابهم تكون يوم القيامة، وتقديمها على وجه يكون عزما وتوطينا للنفس لا (2) يجوز عليه تعالى؟قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: قال أبو علي: معناه أنه سيريد في الآخرة حرمانهم الثواب، لكفرهم الذي ارتكبوه.

والثاني: أن الإرادة متعلقة بالحكم بذلك، وذلك حاصل في حال الخطاب. وقال الحسن: يريد بذلك فيما حكم من عدله. وقوله: (يسارعون في الكفر) أي يبادرون إليه. والسرعة وإن كانت محمودة في كثير من المواضع، فإنها مذمومة في الكفر. والعجلة مذمومة على كل حال إلا في المبادرة إلى الطاعات. وقيل: إن العجلة هي تقديم الشئ قبل وقته، وهي مذمومة على كل حال، والسرعة فعل لم يتأخر فيه شئ عن وقته، ولا يقدم قبله، ثم بين تعالى أنهم لمسارعتهم إلى الكفر لا يضرون الله شيئا، لان الضرر يستحيل عليه تعالى. وإنما يضرون أنفسهم بأن يفوتوا نفوسهم الثواب، ويستحقوا العظيم من العقاب، ففي الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وآله عما يناله من الغم باسراع قوم إلى الكفر بأن وبال ذلك عائد عليهم، ولا يضرون الله شيئا.


1- سورة الأنبياء: آية 103.

2- في المطبوعة (ولا).