الآيات 7-8

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾

تقدير الآية واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا. قال الحسن كان المسلمون يريدون العير، ورسول الله يريد ذات الشوكة لما وعده الله. وقوله " إحدى الطائفتين " يعني عير قريش أو قريشا، وكان الله وعد نبيه حصول إحداهما. وقوله " إحدى الطائفتين " في موضع نصب ب? " يعدكم الله " وقوله " إنها لكم " نصب بدل من قوله " إحدى الطائفتين " ومثله " هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة " (1) فإنها في موضع نصب بدلا من (الساعة). ومثله: " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطؤهم " (2) قال الزجاج: تقديره لولا أن تطؤهم. وقوله " وتودون " معناه وتحبون " ان غير ذات الشوكة " يعني القتال. وإنما قال " ذات الشوكة " فأنث لأنه عنى الطائفة، والشوكة الجد، يقال: ما أشد شوكة بني فلان، وفلان شاك في السلاح وشائك وشاك - بتشديد الكاف - من الشكة. ومثله شاك في قوله الشاعر:

فيوهموني انني هوذاكم * شاك سلاحي في الحوادث معلم

وقال الضحاك، وغيره: كرهوا القتال وأعجبهم أن يأخذوا العير. وقوله " ويريد الله ان يحق الحق " معناه إن الله يريد أن يظهر محمد صلى الله عليه وآله ومن معه على الحق " ويبطل الباطل " اي يبطل ما جاء به المشركون. وقيل: هذه الآية نزلت قبل قوله " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " وهي في القراءة بعدها - ذكره البلخي والحسن - وفي الآية دلالة على أن الله لا يريد الباطل ولا يريد ابطال الحق بخلاف ما يقول المجبرة من أن كل ما في الأرض من باطل وسفه وفسق فان الله يريده لان ذلك خلاف الآية. وقوله " ويقطع دابر الكافرين " معناه يريد الله ان يجتث الجاحدين من أصلهم والدابر المأخر، وقطعه الاتيان على جميعهم - وهو قول ابن زيد وغيره - وقال قوم: الحق في هذا الموضع القرآن. والباطل إبليس. وقيل الحق الاسلام، والباطل الشرك. وقال ابن عباس: كان عدة أهل بدر مع النبي صلى الله عليه وآله ثلاثمائة وثلاث عشر رجلا وروي ان النبي صلى الله عليه وآله لما بلغه خروج قريش لحماية العير شاور أصحابه، فقال قوم: خرجنا غير مستعدين للقتال. وقال المقداد: امض لما امرك الله به، فوالله لو خضت بنا الجمر لتبعناك، فجزاه خيرا. وأعاد الاستشارة، فقال سعد بن معاذ (رحمه الله) يا رسول الله تريدنا؟قال: نعم فقال سعد: إنا آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك، فسر رسول الله صلى الله عليه وآله بقول سعد ونشطه ذلك. ثم قال سيروا على بركة الله وأبشروا فان الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان انظر إلى مصارع القوم. و (الحق) وقوع الشئ في موضعه الذي هو له فإذا اعتقد شئ بضرورة أو حجة فهو حق، لأنه وقع موقعه الذي هو له، وعكسه الباطل. وروي ان أحدا لم يشاهد الملائكة يوم بدر إلا رسول الله صلى الله عليه وآله. ومعنى قوله " ليحق الحق " ليظهر تحقيق الحق للمخلوقين، ويبطل الباطل، لا أنهما لم يكونا كذلك عنده.


1- سورة 43 الزخرف آية 66.

2- سورة 48 الفتح آية 25.