الآيات 6-10
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ، أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾
هذا اخبار من الله تعالى (أن الذين اتخذوا من دونه أولياء) يعني الكفار الذين اتخذوا الأصنام آلهة ووجهوا عبادتهم إليها. وجعلوهم أولياء لهم وأنصارا من دونه. وإنما قال (من دونه) لان من اتخذ وليا بأمر الله لم يتخذه من دون الله. وقوله (الله حفيظ عليهم) أي حافظ عليهم أعمالهم وحفيظ عليها بأنه لا يعزب عنه شئ منها، وانه قد كتبها في اللوح المحفوظ مظاهرة في الحجة عليهم وما هو أقرب إلى أفهامهم إذا تصوروها مكتوبة لهم وعليهم. وقوله (وما أنت عليهم بوكيل) معناه إنك لم توكل بحفظ اعمالهم، فلا يظن ظان هذا، فإنه ظن فاسد وإنما بعثك الله نذيرا لهم وداعيا إلى الحق ومبينا لهم سبيل الرشاد، وقيل: معناه إنك لم توكل عليهم أي تمنعهم من الكفر بالله، لأنه قد يكفر من لا يتهيأ له منعه من كفره بقتله. وقوله (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا) معناه مثل ما أوحينا إلى من تقدمك من الأنبياء بالكتب التي أنزلناها عليهم أوحينا إليك أيضا قرآنا عربيا لتنذر أم القرى أي لتخوفهم بما فيه من الوعيد وتبشرهم بما فيه من الوعد. قال السدي: أم القرى مكة والتقدير لتنذر أهل أم القرى (ومن حولها) من سائر الناس. وسميت أم القرى، لأنه روي أن الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة قال المبرد: كانت العرب تسمي مكة أم القرى (ومن حولها) ومن يطيف بها (وتنذر يوم الجمع) معناه وتخوفهم يوم الجمع أيضا، ونصب (يوم) لأنه مفعول ثان وليس بظرف، لأنه ليس ينذر في يوم الجمع، وإنما يخوفهم عذاب الله يوم الجمع. وقيل هو يوم القيامة (لا ريب فيه) أي لا شك فيه وفى كونه. ثم قسم أهل يوم القيامة فقال (فريق) منهم (في الجنة) بطاعتهم (وفريق) منهم (في السعير) جزاء على معاصيهم. ثم قال (ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة) معناه الاخبار عن قدرته بأنه لو شاء ان يلجئهم إلى الايمان ودين الاسلام، لكان قادرا على ذلك وفعله، لكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف وهو ان يفعلوا العبادة على وجه يستحقون بها الثواب، ومع الالجاء لا يمكن ذلك، فلذلك لم يشأ ذلك. فالآية تفيد قدرته على الالجاء وتأتي ذلك. ثم قال (ولكن يدخل من يشاء في رحمته) أي يدخلهم في الجنة وثوابها من يشاء منهم إذا أطاعوا واجتنبوا معاصيه وبين أن (الظالمين) نفوسهم بارتكاب معصية الله (مالهم من ولي) يواليهم (ولا نصير) يمنعهم من عذاب الله إذا أراد فعله بهم جزاء على معاصيهم، ثم قال (أم اتخذوا من دونه أولياء) معناه بل هؤلاء الكفار اتخذوا من دون الله أولياء من الأصنام والأوثان يوالونهم وينصرونهم. ثم قال (فالله هو الولي) معناه المستحق في الحقيقة للولاية والتقرب إليه هو الله تعالى دون غيره (وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير) يصح أن يكون مقدورا له قادر. ومن كان بهذه الصفة فهو الذي يجب ان يتخذ وليا. وقوله (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) معناه ان الذي تختلفون فيه من أمر دينكم ودنياكم وتتنازعون فيه (فحكمه إلى الله) يعني أنه الذي يفصل بين المحق فيه وبين المبطل، لأنه العالم بحقيقة ذلك، فيحكم على المحق باستحقاق الثواب وعلى المبطل باستحقاق العقاب. وقيل: معناه فحكمه إلى الله، لأنه يجب ان يرجع إلى أمره في الدنيا وفصل القضاء في الآخرة. ثم قال لنبيه قل لهم (ذلك) الذي وصفته من أنه يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير (هو الله ربي) ومدبري (عليه توكلت) بمعنى فوضت أمري إليه وأسندت ظهري إليه (واليه أنيب) أي ارجع إليه في جميع أموري واحوالي.