الآيات 61-65
قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾
القراءة:
قرأ حمزة والكسائي " سرجا " على الجمع. الباقون " سراجا " على التوحيد. وقرأ حمزة وحده " أن يذكر " خفيفة. الباقون بالتشديد. من قرأ على التوحيد فلقوله " وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ". ومن قرأ على الجمع، فلقوله " زينا السماء الدنيا بمصابيح " (1) تشبيها بالكواكب أعني المصابيح كما شبهت المصابيح بالكواكب، في قوله " الزجاجة كأنها كوكب دري " (2) وقيل: من وحد أراد الشمس وحدها. ومن جمع أراد الكواكب المضيئة كلها. واتفقوا على " وقمرا " إلا الحسن، فإنه قرأ - بضم القاف والميم - ويجوز أن يكون فيه لغتان مثل (ولد، وولد) ويجوز أن يكون أراد الجمع غير أن العرب لا تعرف جمع القمر قمرا، وإنما يجمعونه أقمارا. قوله تعالى " تبارك " قيل في معناه قولان:
أحدهما: تقدس الله، وجل بما هو ثابت لم يزل ولا يزال، لان أصل الصفة الثبوت.
الثاني: انه من البركة، والتقدير جل تعالى، وتقدس بما به تقدر على جميع البركات " الذي جعل في السماء بروجا " والبروج منازل النجوم الظاهرة، وهي اثنتا عشرة برجا معروفة أولها الحمل وآخرها الحوت. وقيل: البروج منازل الشمس والقمر، وقال إبراهيم: البروج القصور العالية، واحدها برج، ومنه قوله (ولو كنتم في بروج مشيدة) (3) قال الأخطل:
كأنها برج رومي يشيده * لزبحص وآجر وأحجار (4)
وقال قتادة: البروج النجوم. وقال أبو صالح: هي كبار النجوم، والبرج تباعد ما بين الحاجبين قال: الزجاج: كل ظاهر مرتفع يقال له: برج، وسميت الكواكب بروجا لظهورها. وقوله (وجعل فيها سراجا) يعني الشمس التي يستضئ بها جميع الخلق. وقوله (وقمرا منيرا) أي مضيئا بالليل، إذا لم يكن شمس. فمن قرأ (سراجا) أراد الشمس وحدها. ومن قرأ (سراجا) أراد جميع النجوم، لأنه يهتدى بها، كما يهتدى بضوء السراج. وقوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) أي يخلف كل واحد منهما صاحبه، فيما يحتاج أن يعمل فيه، فمن فاته الليل استدركه بالنهار، ومن فاته عمل النهار استدركه بالليل. قال عمر بن الخطاب، وابن عباس، والحسن: يخلف أحدهما الآخر في العمل. وقال مجاهد: معناه أحدهما اسود الآخر ابيض، فهما مختلفتان. وقال أبو زيد: معناه أحدهما يذهب ويجئ الآخر قال زهير:
بها العين والأرآم يمشين خلفة * واطلاؤها ينهضن من كل مجثم (5)
وقوله (لمن أراد أن يذكر) أي خلقناه كذلك لمن أراد ان يتفكر ويستدل بها على أن لها مدبرا ومصرفا، لا يشبهها ولا تشبهه فيوجه العبادة إليه. وقوله (أو أراد شكورا) أي يشكر الله، على ما أنعم به عليه فيتمكن من ذلك، لان بهذه الأدلة وأمثالها يتوصل إلى ما قلناه. وقوله (وعباد الرحمن) يعني عباده المخلصين، الذين يعبدونه، المعظمون ربهم (الذين يمشون على الأرض هونا) يعني بالسكينة والوقار - في قول مجاهد - وقال الحسن: معناه حلما وعلما، لا يجهلون وإن جهل عليهم. وقال ابن عباس: بالتواضع لا يتكبرون على أحد (وإذا خاطبهم الجاهلون) بما يكرهونه أو يثقل عليهم، قالوا في جوابه (سلاما) أي سدادا من القول - ذكره مجاهد - وقيل: معناه إنهم قالوا قولا يسلمون به من المعصية لله. وقال قوم: هذا منسوخ بآية القتال. وليس الامر على ذلك، لان الامر بالقتال لا ينافي حسن المحاورة في الخطاب وحسن العشرة. وقوله (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) يعني يعبدون الله في لياليهم ويقومون بالصلاة، ويسجدون فيها " والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ان عذابها كان غراما " أي يدعون بهذا القول، ومعنى " غراما " لازما ملحا دائما ومنه الغريم، لملازمته وإلحاحه، وفلان مغرم بالنساء أي ملازم لهن، لا يصبر عنهن قال الشاعر:
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط * جزيلا فإنه لا يبالي (6)
وقال بشر بن أبي حازم:
فيوم النسار ويوم الجفا * ركانا عذابا وكانا غراما (7)
وقال الحسن: ليس غريم إلا مفارق غريمه غير جهنم، فإنها لا تفارق غريمها.
1- تفسير القرطبي 13 / 63 والطبري 19 / 17.
2- سورة 67 تبارك (الملك) آية 5.
3- سورة 24 النور آية 35.
4- سورة 4 النساء آية 77.
5- تفسير الطبري 19 / 18.
6- ديوانه " دار بيروت " 75.
7- قائله الأعشى ديوانه: 167.