الآيات 51-54

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾

اخبر الله تعالى عن جهل الانسان الذي تقدم وصفه بمواضع نعم الله وما يجب عليه من الاعتراف بشكره، بتركه النظر المؤدي إلى معرفته، فقال (وإذا أنعمنا على الانسان) بنعمة من اعطاء مال أو ولد أو صحة جسم (اعرض) عن القيام بشكر الله على ذلك حسب ما يلزمه (ونآء بجانبه) أي بعد بجانبه كبرا وتجبرا عن الاعتراف بنعم الله. وقيل: معناه وبعد عن الواجب (وإذا مسه الشر) يعني إذا ناله مرض أو مصيبة في مال أو نفس (فذو دعاء عريض) قال السدي يدعو الله كثيرا عند ذلك. وإنما قال (فذو دعاء عريض) ولم يقل: طويل، لأنه أبلغ، لان العرض يدل على الطول، ولا يدل الطول على العرض إذ قد يصح طويل ولا عرض له. ولا يصح عريض ولا طول له، لان العرض الانبساط في خلاف جهة الطول، والطول الامتداد في أي جهة كان. وفى الآية دلالة على بطلان قول المجبرة: انه ليس الله على الكافر نعمة، لأنه اخبر تعالى بأنه ينعم عليه وانه يعرض عن موجبها من الشكر وفي دعائه عند الشدة حجة عليه، لأنه يجب من اجل قلة صبره على الشدة ان يشكر برفعها عنه إلى النعمة، فقال الله تعالى لهم على وجه الانكار عليهم (قل أرأيتم إن كان) هذه النعمة (من عند الله وكفرتم به) أي وجحدتموه (من أضل ممن هو في شقاق بعيد) أي في مشاقة الله بخلافه له بعيد عن طاعته. والشقاق المبل إلى شق العداوة لا لأجل الحق كأنه قال لا أحد أضل ممن هو في شقاق بكفره، وبه يذم من كان عليه، كما قال علي عليه السلام (يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ، الأخلاق) وقيل: الشقاق فراق الحق إلى العداوة وأهله. وقوله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) معناه إن الدلائل في آفاق السماء بسير النجوم وجريان الشمس والقمر فيها بأتم التدبير، وفي أنفسهم جعل كل شئ لما يصلح له من آلات الغذاء ومخارج الأنفاس، ومجاري الدم، وموضع العقل والفكر، وسبب الافهام، وآلات الكلام. وقال السدي: آياتنا في الآفاق بصدق ما يخبر به النبي صلى الله عليه وآله من الحوادث عنها. وفي ما يحدث من أنفسهم، وإذا رأوا ذلك تبينوا وعلموا أن خبره حق، وانه من قبل الله تعالى. وقوله (أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد) أي هو عالم لجميع ذلك والباء زائدة، والتقدير أو لم يكف ربك انه عالم بجميع الأشياء. والمعنى أليس في الله كفاية في معاقبة هؤلاء الكفار على كفرهم إذ كان عالما بكل شئ مشاهدا لجميع ما يفعلونه قادرا على مجازاتهم عليه، وكما أنه شهيد على ذلك هو شهيد على جميع الحوادث ومشاهد لجميعها وعالم بها لا يخفى عليه شئ من موضعها. وقوله (إنه) يحتمل أن يكون موضعه رفعا ب? (يكف) ويحتمل أن يكون جرأ بالباء. وتقديره بأنه على كل شئ شهيد. ثم قال (ألا انهم في مرية من لقاء ربهم) أي هم في شك من لقاء ثواب ربهم وعقابه، لأنهم في شك من البعث والنشور (ألا انه بكل شئ محيط) أي هو عالم بكل شئ قادر عليه.