الآيات 56-60

قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي لما " يأمرنا " بالياء. الباقون بالتاء. من قرأ - بالتاء - جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وقيل: معناه أنسجد لأمرك فجعلوا (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر، ومن قرأ - بالياء - جعل الياء لمسيلمة الكذاب، لأنه كان يسمي نفسه الرحمن فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله إنا لا نعرف الرحمن إلا نبي اليمامة. فقال الله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " (1). وقال أبو علي: من قرأ - بالتاء - أراد أنسجد لما تأمرنا يا محمد على وجه الانكار، لأنهم أنكروا أن يعرف الرحمن، فلا يحمل على رحمان اليمامة. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " ما أرسلناك " يا محمد " إلا مبشرا " بالجنة وثواب الله لمن أطاعه ومخوفا لمن عصاه بعقاب الله. وقال الحسن: ما بعث الله نبيا قط إلا وهو يبشر الناس إن أطاعوا الله بالمتعة في الدنيا والآخرة، وينذر الناس إن عصوا عذاب الله في الآخرة. والبشارة الاخبار عما يظهر سروره في بشرة الوجه، تقول: بشره تبشيرا وبشارة. وبشارة الأنبياء مضمنة باخلاص العبادة لله تعالى. والنذارة هو الاخبار بما فيه المخافة، ليحذر منه. أنذره إنذارا ونذارة، وتناذر القوم إذا أنذر بعضهم بعضا. ثم امره، فقال: يا محمد " قل " لهؤلاء الكفار: إني لست أسألكم على ما أبشركم به وأحذركم منه " اجرا " تعطوني " إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " استثناء من غير الجنس، ومعناه انه جعل أجره على دعائه اتخاذ المدعو سبيلا إلى ربه وطاعته إياه كقول الشاعر:

وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس (2)

جعلها أنيس ذلك المكان. وقيل: " إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " بانفاقه ماله في طاعة الله، وابتغاء مرضاته. ثم امره ان يتوكل على ربه " الحي الذي لا يموت " والمراد به جميع المكلفين لأنه يجب على كل أحد ان يتوكل على الله، ويسلم لامره، ومعنى " وسبح بحمده " أي احمده منزها له مما لا يجوز عليه في صفاته، بان تقول: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمه واحسانه الذي لا يقدر عليه غيره، الحمد لله حمدا يكافئ نعمه في عظم المنزلة وعلو المرتبة، وما أشبه ذلك. وقوله " وكفى به " اي كفى الله " بذنوب عبادة خبيرا " أي عالما " الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما " يعني بين هذين الصنفين، كما قال القطامي:

ألم يحزنك أن جبال قيس * وتغلب قد تباينتا انقطاعا (3)

وقال الآخر:

إن المنية والحتوف كلاهما * توقي المحارم يرقبان سوادي

وقوله في ستة أيام قيل: كان ابتداء الخلق يوم الأحد، وانتهاؤه يوم الجمعة " ثم استوى على العرش " وقيل " ثم استوى على العرش " تمام الحكاية. ثم ابتدأ فقال " الرحمن فسأل به خبيرا " ومعنى " فسأل به خبيرا " أي فاسأل سؤالك إياه خبيرا، قال ابن جريج: الخبير - ههنا - هو الله. وقيل معناه فاسال به أيها الانسان عارفا يخبرك بالحق في صفته. ثم حكى انه إذا قيل لهؤلاء الكفار " اسجدوا للرحمن " الذي أنعم عليكم " قالوا وما الرحمن " أي أي شئ الرحمن؟أي لا نعرفه " أنسجد لما تأمرنا " وقد فسرناه " وزادهم نفورا " أي ازدادوا عند ذلك نفورا عن قبول قول النبي صلى الله عليه وآله والرجوع إلى طاعة الله.


1- سورة 4 النساء آية 22.

2- سورة 17 الاسرى آية 110.

3- قد مر في 1 / 151 و 3 / 327 و 5 / 498.