الآيات 41-44

قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا، إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا، أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾

يقول الله تعالى حاكيا عن الكفار الذين وصفهم بأنه " إذا رأوك " يا محمد وشاهدوك لا يتخذونك " إلا هزوا " أي سخريا، والهزو إظهار خلاف الابطان لاستصغار القدر على وجه اللهو. وانهم ليقولون " أهذا الذي بعث الله رسولا " متعجبين من ذلك، ومنكرين له، لأنهم يعتقدون في الباطن انه ما بعثه الله. وقوله " إن كاد ليضلنا عن آلهتنا " أي قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا، على وجه يؤدي إلى هلاكنا. والاضلال الاخذ بالشئ إلى طريق الهلاك. وقوله " لولا أن صبرنا عليها " أي على عبادتها لازلنا عن ذلك، وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. فقال الله تعالى متوعدا لهم " وسوف يعلمون " فيما بعد إذا رأوا العذاب الذي ينزل بهم " من أضل سبيلا " عن طريق الحق: هم أم غيرهم؟ثم قال لنبيه يا محمد " أرأيت من اتخذ إلهه هواه " لأنه ينقاد له ويتبعه في جميع ما يدعوه إليه. وقيل: المعني من جعل إلهه ما يهوى، وذلك نهاية الجهل، لان ما يدعو إليه الهوى باطل، والإله حق يعظم بما لا شئ أعظم منه، فليس يجوز أن يكون الاله ما يدعو إليه الهوى، وإنما الاله ما يدعوا إلى عبادته العقل. ومعنى " أفأنت تكون عليه وكيلا " أي لا تكون له أنت حافظا من الخروج إلى هذا الفساد. قال المبرد: الوكيل أصله واحد، ويشتمل على فروع ترجع إليه، فالوكيل من تتكل عليه وتعتمد في أمورك عليه. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " أم تحسب " يا محمد وتظن " أن أكثر " هؤلاء الكفار " يسمعون " ما تقول سماع طالب للأفهام " أو يعقلون " ما تقوله لهم؟بل سماعهم كسماع الانعام، وهم أضل سبيلا من الانعام، لأنهم مكنوا من طريق الفهم، ولم تمكن النعم من ذلك، وهم مع ذلك لا يعقلون ما تقول، إذ لو عقلوا عقل الفهم به لدعاهم عقلهم إليه، لأنه نور في قلب المدرك له. وقيل " بل هم أضل سبيلا " لأنها لا تعتقد بطلان الصواب وإن كانت لا تعرفه، وهم قد اعتقدوا ضد الصواب الذي هو الجهل. وقيل: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى أحسن صورة منه ترك الأول وعبد الثاني. وقيل: لان الانعام تهتدي إلى منافعها ومضارها. وهؤلاء لا يهتدون إلى ما يدعون إليه من طريق الحق، فهم أضل.