الآيات 16-20
قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع (نحسات) ساكنة الحاء، الباقون بكسرها، لان (نحسات) صفة، تقول العرب، يوم نحس مثل رجل هرم. وقيل: هما لغتان، وقرأ نافع ويعقوب (ويوم نحشر) بالنون كقوله (ونحشره يوم القيامة أعمى) (1) وقوله (ونجينا الذين آمنوا) بالنون. الباقون بضم الياء على ما لم يسم فاعله، لأنه عطف عليه. قوله (فهم يوزعون) فطابق بينهما. لما حكى الله عن عاد وثمود انه ارسل إليهم رسلا وأمرهم بعبادة الله وحده وأن لا يشركوا به شيئا وانهم كفروا بذلك وجحدوه. واخبر انه أهلكهم بأن أرسل عليهم ريحا صرصرا أي شديدا صوته واشتقاقه من الصرير ولذلك ضوعف اللفظ اشعارا بمضاعفة المعنى، يقال صريصر صريرا، وصرصر يصرصر صرصرة وريح صرصر شديد هبوبها. وقال قتادة: يعني باردة وقال السدي: باردة ذات صوت. وقال مجاهد: شديدة السموم. وقيل: أصله صرر قلبت الراء صادا، كما قيل: رده، ورد ده، ونههه ونهنهه. وقال رؤية:
فاليوم قد نهنهني تنهنهي * وأولى حلم ليس بالمتقه (2)
وكما قيل: كففه وكفكفه، قال النابغة:
اكفكف عبرة غلبت عبراتي * إذا نهنتها عادت ذباحا (3)
ومنه سمي نهر صرصر لصوت الماء الجاري فيه، وقوله (في أيام نحسات) قال مجاهد وقتادة والسدي: يعني مشومات، والنحس سبب الشر، والسعد سبب الخير، وبذلك سميت سعود الأيام ونحوسها وسعود النجوم ونحوستها، ومن سكن الحاء خففه، ومن جرها فعلى الأصل. وقال أبو عبيدة: معناه أيام ذات نحوس أي مشائيم العذاب. وقوله (لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا) إخبار منه تعالى انه إنما يفعل بهم ذلك ليذيقهم حال الهوان في الدنيا، والخزي الهوان الذي يستحيا منه خوفا من الفضيحة، يقال: خزي يخزي خزيا وأخزاه الله إخزاء فهو مخزي. ثم بين تعالى ان عذاب الآخرة أخزى وأفضح من ذلك فقال (ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) أي لا يدفع عنهم العذاب الذي ينزل بهم. ثم قال تعالى (واما ثمود فهديناهم) فالذي عليه القراء رفع الدال، وقرأ الحسن بالنصب على تقدير هدينا ثمود هديناهم، والرفع أجود، لان (اما) لا يقع بعدها إلا الأسماء، فالنصب ضعيف. والمعنى واما ثمود دللناهم على طريق الرشاد فعدلوا عنها إلى طريق الغي والفساد، والهدي يتصرف على وجوه بيناها في ما مضى. وقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد: معناه بينا لهم، وإنما لم يصرف ثمود لأنه اسم القبيلة أو الأمة، وهو معرفة. وإنما رفع لان (أما) رفع الاسم بعدها أولى. وقوله (فاستحبوا العمى على الهدى) معناه اختاروا العمى على طريق الحق والاهتداء إليها وبئس الاختيار ذلك - وهو قول الحسن. وفى الآية دلالة على بطلان قول المجبرة في أن الله يضل الكفار عن الدين ولا يهديهم إليه لأنه صرح بأنه هدى ثمود إلى الدين وانهم اختاروا العمى على الهدى، وذلك واضح لا اشكال فيه. وقوله (فاخذتهم صاعقة العذاب الهون) أي ارسل عليهم الصاعقة التي بعثها للعذاب دون غيره، والهون والهوان واحد - في قول أبي عبيدة - وقال السدي: معناه الهوان (بما كانوا يكسبون) أي جزاء على ما كسبوه من الشرك والكفر. وقوله (ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون) اخبار من الله تعالى انه خلص من جملتهم من آمن بالله واتقى معاصيه خوفا من عقابه نجاهم الله من ذلك العذاب. ثم قال تعالى (ويوم يحشر أعداء الله) يبعثون وهو يوم القيامة. فمن قرأ بالنون فعلى الاخبار من الله عن نفسه بذلك. ومن قرأ بالياء المضمومة فعلى انهم يبعثون ويجمعون إلى النار (فهم يوزعون) أي يمنعون من التفرق ويحبسون ويكفون، يقال: وزعت الرجل إذا منعته، ومنه قول الحسن لابد للناس من وزعة وقوله (أوزعني) أي الهمني. وقول الشاعر: وإني بها باذا المعارج موزع ويروى موزع (حتى إذا ما جاؤها) معناه حتى إذا أتي هؤلاء الكفار النار، وأراد الله إلقاءهم فيها (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) وقيل: في شهادة هذه الجوارح قولان:
أحدهما: انها تبنى بنية حي وتلجأ إلى الشهادة والاعتراف بما فعله أصحابها.
الآخر: ان يفعل فيها الشهادة ويضاف إليها مجازا. ووجه ثالث - قال قوم: إنه يظهر فيها امارات تدل على كون أصحابها مستحقين للنار، فسمى ذلك شهادة مجازا. كما يقال: عيناك تشهد بسهرك أي فيها ما يدل على سهرك. وقيل: المراد بالجلود الفروج، على طريق الكناية. وقيل: لا: بل الجلود المعروفة وهو الظاهر.
1- سورة 20 طه آية 124.
2- تفسير الطبري 24 / 59، 60.
3- تفسير الطبري 24 / 59، 60.