الآيات 1-6

قال مجاهد وقتادة: هي مكية. وقال ابن عباس نزلت ثلاث آيات منها بالمدينة من قوله " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " إلى قوله " رحيما " عدد آياتها سبع وسبعون آية ليس فيها خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾

المعنى:

معنى تبارك: تقدس وجل، بما لم يزل عليه من الصفات، ولا يزال كذلك، ولا يشاركه فيها غيره. وأصله من بروك الطير على الماء، فكأنه قال: ثبت فيما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده. وقال ابن عباس: تبارك (تفاعل) من البركة، فكأنه قال ثبت بكل بركة أو حل بكل بركة. وقال الحسن: معناه الذي تجئ البركة من قبله، والبركة الخير الكثير. والفرقان هو القرآن، سمي فرقانا لأنه يفرق به بين الصواب والخطأ، والحق والباطل في أمور الدين، بما فيه من الوعظ والزجر عن القبائح والحث على افعال الخير. ثم بين تعالى انه إنما نزل هذا القرآن، وغرضه أن يكون نذيرا للعالمين، أي مخوفا وداعيا لهم إلى رشدهم، وصارفا لهم عن غيهم وضلالتهم، يقال: أنذره إنذارا إذا دعاه إلى الخير، بأن يخوفه من تركه: إذا كان غافلا عنه، وقال ابن زيد: النذير هو النبي صلى الله عليه وآله. وقال آخرون: هو القرآن. ثم وصف تعالى (الذي نزل الفرقان) بأنه (الذي له ملك السماوات والأرض) والتصرف فيهما، بسعة مقدورة بسياستها. وانه (لم يتخذ ولدا) كما يدعيه النصارى في أن المسيح ابن الله، ويزعم جماعة من العرب أن الملائكة بنات الله. وأنه ليس له شريك في الملك، بل هو المالك لجميع ذلك وحده، وانه (خلق كل شئ) وقيل في معناه قولان:

أحدهما: ان كل شئ يطلق عليه اسم مخلوق، فإنه خلقه، لان أفعالنا لا يطلق عليها اسم الخلق حقيقة، لان الخلق يفيد الاختراع، وإنما يسمونا بذلك مجازا.

الثاني: انه لا يعتد بما يخلقه العبد في جنب ما خلقه الله، لكثرة ذلك وقلة ما يخلقه العبد. ويحتمل أن يكون المراد قدر كل شئ، لان أفعال العباد مقدرة لله، من حيث بين ما يستحق عليها فاعلها من الثواب والعقاب أولا يستحق شيئا من ذلك. ويقوي ذلك قوله (فقدره تقديرا) لان المعنى فيه، وكل شئ على مقدار حاجتهم إليه وصلاحه لهم. ثم اخبر تعالى عن الكفار، فقال (واتخذوا من دون الله آلهة) من الأصنام والأوثان، ووجهوا عبادتهم إليها من دون الله. ثم وصف آلهتهم بما ينبئ أنها لا تستحق العبادة، بأن قال (لا يخلقون شيئا) ولا يقدرون عليه، وهم مع ذلك مخلوقون، ومصرفون، وانهم (لا يملكون) أي لا يقدرون (لأنفسهم) على ضر ولا على نفع (ولا يملكون) أي لا يقدرون على موت، ولا على حياة، ولا على بعث بعد الموت. والنشور هو البعث بعد الموت، يقال: نشر الميت، فهو ناشر نشورا، وانشره الله انشارا، ومنه قوله (ثم إذا شاء أنشره) (1) وجميع ذلك يختص الله بالقدرة عليه، والعبادة تستحق بذلك، لأنها أصول النعم، ثم أخبر عن الكفار بأنهم يقولون: ليس هذا القرآن الذي أنزلناه (إلا إفك) يعني كذب افتعله النبي صلى الله عليه وآله (واعانه عليه قوم آخرون) قال الحسن: قالوا أعانه عليه عبد حبشي يعني الحضرمي. وقال مجاهد: قالوا أعانه عليه اليهود. ثم حكى تعالى عنهم بأنهم قالوا ذلك و (جاؤوا) في هذا القول (ظلما وزورا) أي جاؤوا بظلم، فلما حذف الباء نصبه أي انهم أضافوه إلى غير من صدر عنه، وكذبوا فيه. وحكى عنهم انهم قالوا أيضا: هذا القرآن (أساطير الأولين) ورفع (أساطير) بأنه خبر ابتداء محذوف، وتقديره هذا أساطير الأولين. قال ابن عباس: الذي قال ذلك النضر بن الحارث بن كلدة، يعني اخبار قد سطرها الأولون من الأمم اكتتبها هو، وانتسخها (فهي تملى عليه) حتى ينسخها) بكرة وأصيلا) يعني غداة وعشيا. والأصيل العشي، لأنه أصل الليل وأوله. ومعناه: إنه يقرأ عليه على هوى النفس، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لهم، تكذيبا لقولهم (قل أنزله) يعني القرآن (الذي يعلم السر) يعني الخفايا (في السماوات والأرض) والمعنى انه أنزله على ما يعلم من المصلحة وبواطن الأمور وخفاياها، لا على ما تقتضيه أهواء النفوس وشهواتها. وقال الجبائي: السر - ههنا - الغيب. والسر اخفاء المعنى في القلب أسر إليه إسرارا أي ألقى إليه ما يخفيه في قلبه، وساره مسارة وسرارا: إذا اخفى ما يلقيه إليه من السر عن غيره. وقوله (انه كان غفورا) معناه الذي يعلم السر في السماوات والأرض لا يعاجلهم بالعقوبة، بل يستر عليهم، وهكذا كان على من تقدم من الكفار والعصاة (رحيما) أي منعما عليهم.


1- معناه طلبوا اختصار الحديث أي طيه على غره.