الآيات 58-60

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا " ثلاث عورات " بفتح الثاء. الباقون بالرفع. قال أبو علي النحوي: من رفع، فعلى أنه خبر ابتداء محذوف، وتقديره هذه ثلاث عورات، لأنه لما قال " الذين ملك ايمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات " وفصل الثلاث بقوله " من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء " صار كأنه قال: هذه ثلاث عورات، فاجمل بعد التفصيل. ومن نصب جعله بدلا من قوله " ثلاث مرات " وإنما أبدل " ثلاث عورات " وليس بزمان من (ثلاث مرات) وهي زمان، لأنه مشتمل على زمان من حيث إن التقدير: أوقات ثلاث عورات، فلما حذف المضاف أقام المضاف إليه مقامه. و (العورات) جمع عورة، وحكم ما كان على وزن (فعلة) من الأسماء أن تحرك العين منه، نحو صفحة وصفحات، وجفنة وجفنات إلا أن عامة العرب يكرهون تحريك العين فيما كان عينه واوا أو ياء، لأنه كان يلزمه الانقلاب إلى الألف، فاسكنوا لذلك، فقالوا عورات وجوزات وبيضات. وقرأ الأعمش - بفتح الواو - من (عورات) ووجهه ما حكاه المبرد أن هذيلا يقولون في جمع جوزة وعورة ولوزة: جوزات، وعورات، ولوزات، فيحركون العين فيها، وأنشد بعضهم:

أبو بيضات رائح متأوب * رفيق بمسح المنكبين سبوح (1)

فحرك الياء من بيضات، والأجود عند النحويين ما ذكرناه. هذه الآية متوجهة إلى المؤمنين بالله المقرين برسوله، يقول الله لهم: مروا عبيدكم واماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى مواضع خلواتكم. وقال ابن عباس وأبو عبد الرحمن: الآية في النساء والرجال من العبيد. وقال ابن عمر: هي في الرجال خاصة. وقال الجبائي: الاستئذان واجب لي كل بالغ في كل حال، ويجب على الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة بظاهر هذه الآية. وقال قوم: في ذلك دلالة على أنه يجوز أن يؤمر الصبي الذي يعقل، لأنه أمره بالاستئذان. وقال آخرون: ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد بذلك، فظاهر الآية يدل على وجوب الاستئذان ثلاث مرات في ثلاث أوقات من ساعات الليل والنهار. ثم فسر الأوقات فقال " من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء " الآخرة لان الغالب على الناس أن يتعروا في خلواتهم في هذه الأوقات ذكره مجاهد. ثم بين أنه ليس عليكم ولا عليهم جناح فيما بعد ذلك من الأوقات أن يدخلوا عليكم من غير اذن، يعني في الذين لم يبلغوا الحلم، وهو المراد بقوله " طوافون عليكم بعضكم على بعض " ثم قال: مثل ما بين لكم هذه العورات بين الله لكم الدلالات على الاحكام " والله عليم " بما يصلحكم " حكيم " فيما ذكره وغيره من أفعاله. ثم قال " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " يعني يرتفع من دخوله بغير اذن إذا بلغ، وصار حكمه حكم الرجال في وجوب الاستئذان على كل حال. ثم قال مثل ما بين لكم هذا بين لكم أدلته " والله عليم حكيم " ثم قال " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا " يعني المسنات من النساء اللاتي قعدن عن التزويج، لأنه لا يرغب في تزويجهن. وقيل: هن اللاتي ارتفع حيضهن، وقعدن على ذلك، اللاتي لا يطمعن في النكاح أي لا يطمع في جماعهن لكبرهن " فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن " قيل هو القناع الذي فوق الخمار وهو الجلباب، والرداء الذي يكون فوق الشعار. وفى قراءة أهل البيت (ع) " ان يضعن من ثيابهن " وبه قرأ أبي. وقوله " غير متبرجات بزينة " أي لا تقصد بوضع الجلباب اظهار محاسنها، وما ينبغي لها أن تستره. والتبرج إظهار المرأة من محاسنها ما يجب عليها ستره. ثم اخبر تعالى أن الاستعفاف عن طرح الجلباب خير لهن في دينهن " والله سميع " لأقوالكم " عليم " بما تضمرونه " حليم " عليكم لا يعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم. وإنما ذكر القواعد من النساء، لان الشابة يلزمها من التستر أكثر مما يلزم العجوز، ومع ذلك فلا يجوز للعجوز أن تبدي عورة لغير محرم، كالساق والشعر والذراع.


1- سورة 25 الفرقان آية 62.