الآيات 51-54
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾
القراءة:
قرأ أبو بكر وأبو عمرو (ويتقه) ساكنة القاف. لان الهاء لما اختلطت بالفعل وصارت مزدوجة ثقلت الكلمة، فخففت بالاسكان. وقيل: انهم توهموا أن الجزم واقع عليها. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وورش (ويتقهي) بكسر الهاء لمجاورة القاف المكسورة، وبعد الهاء ياء. وروى قالون باختلاس الحركة، وهو الأجود عند النحويين، لان الأصل يتقيه باختلاس الحركة، فلما سقطت الياء للجزم بقيت الحركة مختلسة، كما كانت. وروى حفص باسكان القاف وكسر الهاء، لأنه كره الكسرة في القاف واسكنها تخفيفا، كما قال الشاعر:
عجبت لمولود وليس له أب * ومن والد لم يلده أبوان (1)
ويجوز أن يكون أسكن القاف والهاء ساكنة، فكسر الهاء لالتقاء الساكنين، ولان من العرب من يقول لم يتق مجزوم القاف بعد حذف الياء. لما اخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله في الحكم بينهم فيما يتنازعون فيه، فإنهم عند ذلك يعرضون عن ذلك، ولا يجيبون إليه، أخبر أن المؤمنين بخلافهم وانهم إذا قيل لهم تعالوا (إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) ينبغي (ان يقولوا) في الجواب عن ذلك (سمعنا وأطعنا) أي قبلنا هذا القول وانقدنا إليه وأجبنا إلى حكم الله ورسوله. ثم اخبر تعالى عن هؤلاء المؤمنين بأنهم (هم الفائزون) الذين فازوا بثواب الله وكريم نعمه. وعن أبي جعفر (ع) أن المعني بالآية أمير المؤمنين (ع) وصفه بخلاف ما وصف خصمه الذي ذكره في الآية الأولى. ثم قال تعالى (ومن يطع الله ورسوله) بان يفعل ما أمره به ويبادر إليه (ويخشى الله ويتقه) بأن يخاف عقابه، فيجتنب معاصيه، فان من هذه صفته من الفائزين. و (الفوز) اخذ الحظ الجزيل من الخير، تقول: فاز يفوز فوزا، فهو فائز. وسميت المهلكة مفازة تفاؤلا، فكأنه قيل: منجاة. ثم أخبر تعالى عن جماعة من المنافقين بأنهم " أقسموا بالله جهد أيمانهم " أي حلفوا به أغلظ أيمانهم، وقدر طاقتهم " لئن امرتهم " يا محمد بالخروج " ليخرجن " يعني إلى الغزو، فقال الله تعالى لهم " لا تقسموا " أي لا تحلفوا " طاعة معروفة " وقيل: في معناه قولان:
أحدهما: هذه طاعة معروفة منكم يعني بالقول دون الاعتقاد. أي إنكم تكذبون ذكره مجاهد.
الثاني: طاعة وقول معروف أمثل من هذا القسم، والقول المعروف هو المعروف صحته. فان ذلك خير لكم من هذا الحلف. ثم اخبر تعالى بأنه " خبير " أي عالم " بما تعملون " لا يخفى عليه شئ على أي وجه توقعون أفعالكم، فيجازيكم بحسبها. وفى ذلك تهديد. ثم قال " فان تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم " أي تتولوا، فحذفت التاء، وليس كقوله " فان تولوا فإنما هم في شقاق " (2) لان الأول مجزوم، وهو للمخاطبين، لأنه قال " وعليكم ما حملتم " ولو كان لغير المخاطبين، لقال وعليهم، كما قال " فان تولوا فإنما هم في شقاق " وكان يكون في موضع نصب لأنه بمنزلة قولك: فان قاموا، والجزاء يصلح فيها لفظ المستقبل والماضي من (فعل يفعل) كما قال (فان فاؤا فان الله) (3). وقوله (فان تولوا فإنما هم في شقاق) في موضع نصب ذكره الفراء، وقوله (فإنما عليه) يعني على المتولي جزاء ما حمل أي كلف، فإنه يجازى على قدر ذلك، وعليكم جزاء ما كلفتم إذا خالفتم (وإن تطيعوه تهتدوا) يعني ان أطعتم رسوله تهتدوا. ثم اخبر انه ليس (على الرسول إلا البلاغ) الظاهر والقبول يتعلق بكم، ولا يلزمه عهدته، ولا يقبل منكم اعتذار تركه بامتناع غيره.
1- قائله جرير، ديوانه (دار بيروت) 77.
2- مر تخريجه في 7 / 4.
3- سورة 2 البقرة آية 137.