الآيات 41-44

قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾

أربع آيات في البصري والكوفي وثلاث في غيرها. لأنهم لم يعدوا " بالابصار " آخر آية. قرأ أبو جعفر المدني " يذهب بالابصار " بضم الياء. الباقون بفتحها. وقد مضى ذكر مثله. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله " ألم تر " يا محمد والمراد به جميع المكلفين أي ألم تعلم أن الذي ذكره في الآية لا يرى بالابصار وإنما يعلم بالأدلة، " أن الله يسبح له من في السماوات والأرض " فالتسبيح التنزيه لله تعالى عن جميع ما لا يجوز عليه، ولا يليق به، فمن نفى عنه الصاحبة والولد، فقد سبحه، لأنه برأه مما لا يجوز عليه، ومن نفى عنه أن يكون له شريك في ملكه أو عبادته، فقد سبحه، لأنه برأه مما لا يجوز عليه، وكذلك من نفى عنه فعل القبيح، فقد سبحه، لأنه برأه مما لا يجوز عليه. وتسبيح من في السماوات والأرض إنما هو بما فيها من الدلالات على توحيده، ونفي الصاحبة عنه، ونفي تشبيهه بخلقه وتنزيهه عما لا يليق به، مما يدل على ذلك ويدعو إليه، كأنه المسبح له. وقوله " والطير صافات " معناه وتسبحه الطير صافات في حال اصطفافها في الهواء، لأنها إذا صفت أجنحتها في الهواء وتمكنت من ذلك كان في ذلك دلالة وعبرة على أن ممكنها من ذلك لا يشبه شيئا من المخلوقات. وقوله " كل قد علم صلاته وتسبيحه " معناه: إن جميع ذلك قد علم الله تعالى صلاته، يعني دعاءه إلى توحيده، وتسبيحه، وتنزيهه عما لا يليق به. وقال مجاهد: الصلاة للانسان، والتسبيح لكل شئ. وقيل: كل قد علم صلاته أي صلاة نفسه، وتسبيح نفسه، فيكون الضمير في علم ل? (كل)، وعلى الأول يعود على اسم الله، والأول أجود، لأن هذه الأشياء كلها لا يعلم كيفية دلالتها غير الله. وإنما الله تعالى عالم بذلك، ويقويه قوله " والله عليم بما يفعلون " أي عالم بأفعالهم، لا يخفى عليه شئ منها، فيجازيهم بحسبها. ثم اخبر تعالى فقال " ولله ملك السماوات والأرض "، والملك المقدور الواسع لمن يملك السياسة والتدبير، فملك السماوات والأرض لا يصح إلا لله وحده لا شريك له، لأنه لا يقدر على خلق الأجسام غيره، وليس مما يصح أن يملكه العبد، لأنه لا يمكنه أن يصرفه أتم التصريف، فالملك التام، لا يصح الا لله تعالى. وقوله " والى الله المصير " اي إليه المرجع يوم القيامة، إلى ثوابه أو عقابه. ثم قال " ألم تر " اي ألم تعلم (ان الله يزجي سحابا) أي يسوق سحابا إلى حيث يريده، ومنه زجا الخراج إذا انساق إلى أهله وازجاه فلان أي ساقه " ثم يؤلف بينه " أي بين بعضه وبعض، لان لفظ سحاب جمع، واحده سحابة، وهو كقولهم: جلس بين النخل، لان لفظ بين لا تستعمل إلا في شيئين فصاعدا. وقوله " ثم يجعله ركاما " وهو المتراكب بعضه فوق بعض " فترى الودق " يعني المطر، يقال: ودقت السحابة، تدق ودقا إذا أمطرت قال الشاعر:

فلا مزنة ودقت ودقها * ولا ارض ابقل إبقالها (1)

" يخرج من خلاله " فالخلال جمع خلل. وقوله " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " معنى (من) الأولى، لابتداء الغاية، لان (من السماء) ابتداء الانزال بالمطر، والثانية للتبعيض، لان البرد بعض الجبال التي في السماء، والثالثة لتبيين الجنس، لان جنس الجبال جنس البرد. وقيل في السماء جبال برد مخلوقة في السماء. وقال البلخي: يجوز أن يكون البرد يجتمع في السحاب كالجبال ثم ينزل منها. وقيل السماء هو السحاب، لان كل ما علا مطبقا فهو سماء. وقال الفراء: يجوز أن يكون المراد وينزل من السماء قدر جبال من برد، كما تقول: عندي بيتان من تبن أي قدر بيتين. وقال الحسن: في السماء جبال برد، وقيل المعنى: قدر جبال يجعل منها بردا على ما حكيناه عن الفراء. وقوله " فيصيب به " يعني بذلك البرد " فيصيب به من يشاء " ان يهلك أو يهلك ماله " ويصرفه عمن يشاء " على حسب اقتضاء المصلحة. وقوله " يكاد سنا برقه " أي ضياء البرق، فسنا البرق مقصور، وسناء المجد ممدود. وقال ابن عباس وابن زيد: يعني ضوء برقه يكاد يختطف الابصار. وقال قتادة: لمعان برقه. وقوله " يقلب الله الليل والنهار " يعني يجئ بالنهار عقيب الليل، وبالليل عقيب النهار. وقيل: يزيد من هذا في ذاك وينقص من ذاك في هذا " ان في ذلك لعبرة " اي دلالة (لأولي الأبصار) يعني ذوي العقول الذين يبصرون بقولهم. وفي الآية دلالة على وجوب النظر، وفساد التقليد، لأنه تعالى مدح المعتبرين بعقولهم بما نبه من الدلالات والآيات الدالة على توحيده وعدله وغير ذلك.


1- سورة 50 ق آية 22.