الآيات 34-35
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ، اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
القراءة:
قرأ " دري " مشددة، بضم الدال من غير همز، ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم. وقرأ - بكسر الدال والهمز - أبو عمرو، والكسائي. وقرأ - بضم الدال والهمز - حمزة وعاصم، في رواية أبي بكر. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " توقد " بفتح التاء والدال. وقرأ - بالياء مخففة مرفوع مضموم الياء - نافع وابن عامر وحفص عن عاصم والكسائي. - وقرأ - بضم التاء والدال مخففة مرفوعة - حمزة، وأبو بكر عن عاصم. فمن قرأ " دري " بكسر الدال، فهو من (درأت) اي رفعت. والكوكب (دري) لسرعة رفعه في الانقضاض، والجمع الدراري، وهي النجوم التي تجئ وتذهب. وقال قوم: هي أحد الخمسة المضيئة: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد. ومن قرأ - بضم الدال - نسبه إلى الدر في صفائه وحسنه. ومن ضم الدال وهمز، فهو غير معروف عند أهل اللغة، لأنه ليس في الكلام (فعيل) - ذكره الفراء - وقال أبو عبيدة: وجهه أن يكون - بفتح الدال - كأنه (فعيل). قال سيبويه: ليس في الكلام (فعيل) وإنما تكسر الفاء مثل (سكيت). وروى المفضل عن عاصم انه قرأ - بكسر الدال - من غير همز، ولا مد، ومعناه: انه جاز كالنجوم الدراري الجارية. مأخوذ من در الوادي إذا جرى، ووجه قراءة ابن كثير في " توقد " أنه على (فعل) ماض، وضم الدال ابن محيصن أراد (تتوقد). ومن ضم الياء مثل نافع وابن عامر، رده على الكوكب. وقال الفراء: رده على المصباح. ومن ضم التاء والدال رده على الزجاجة. اقسم الله تعالى انها انزل " آيات " يعني دلالات " مبينات " يعني مفصلات، بينهن الله وفصلهن، فيمن قرأ - بفتح الياء - ومن كسر الياء: معناه ان هذه الآيات والحجج تبين المعاني وتظهر ما بطن فيها. وقوله " ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين " معناه انه انزل إليكم اخبار من كان قبلكم من أمم الرسل، وجعل ذلك عبرا لنا. وقيل لتعتبروا بذلك وتستدلوا به على ما يرضاه الله منكم فتفعلوه وعلى ما يسخطه فتتجنبوه. وقوله " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة " قيل في معناه قولان:
أحدهما: ان الله هادي أهل السماوات والأرض - ذكره ابن عباس - في رواية، وأنس.
الثاني: انه منور السماوات والأرض بنجومها وشمسها وقمرها - في رواية أخرى - عن ابن عباس، وقال أبو العالية والحسن مثل ذلك. ثم قال تعالى " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " الهاء في قوله " نوره " قيل إنها تعود على المؤمن، وتقديره مثل النور الذي في قلبه بهداية الله، وهو قول أبي ابن كعب والضحاك. وقال ابن عباس: هي عائدة على اسم الله، ومعناه مثل نور الله الذي يهدي به المؤمن. وقال الحسن: مثل هذا القرآن في القلب كمشكاة. وقيل: مثل نوره وهو طاعته - في قول ابن عباس - في رواية: وقيل: مثل نور محمد صلى الله عليه وآله. وقال سعيد بن جبير: النور محمد، كأنه قال مثل محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فالهاء كناية عن الله. والمشكاة الكوة التي لا منفذ لها - في قول ابن عباس وابن جريج - وقيل: هو مثل ضرب لقلب المؤمن، والمشكاة صدره، والمصباح القرآن، والزجاجة قلبه - في قول أبي ابن كعب، وقال: فهو بين اربع خلال إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق. وقيل: المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو مثل الكوة. وقال كعب الأحبار: المشكاة محمد صلى الله عليه وآله والمصباح قلبه، شبه صدر النبي بالكوكب الدري. ثم رجع إلى المصباح أي قلبه شبهه بالمصباح كأنه في زجاجة و " الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ " اي يتبين للناس ولو لم يتلكم انه نبي. ومن قال " الله نور السماوات " يعني منورها بالشمس والقمر والنجوم، ينبغي ان يوجه ضرب المثل بالمشكاة على أن ذلك مثل ما في مقدوره، ثم تنبث الأنوار الكثيرة عنه. ضرب الله تعالى المثل لنوره الذي هو هدايته في قلوب المؤمنين بالمشكاة، وهي الكوة التي لا منفذ لها إذا كان فيها مصباح، وهو السراج، ويكون المصباح في زجاجة، وتكون الزجاجة مثل الكوكب الدري - فمن ضم الدال - منسوب إلى الدر في صفائه ونوره. ومن كسر الدال شبهها بالكوكب في سرعة تدفعه بالانقضاض. ثم عاد إلى وصف المصباح، فقال " يوقد من شجرة مباركة زيتونة " اي يشتعل من دهن شجرة مباركة، وهي الزيتونة الشامية، قيل لان زيتون الشام ابرك. وقيل: وصفه بالبركة لان الزيتون يورق من أوله إلى آخره. وقوله " لا شرقية ولا غربية " قال ابن عباس - في رواية - معناه لا شرقية بشروق الشمس عليها فقط ولا غربية بغروبها عليها فقط، بل هي شرقية غربية تأخذ حظها من الامرين، فهو أجود لزيتها. وقيل: معناه انها وسط البحر، روي ذلك عن ابن عباس أيضا. وقال قتادة: هي ضاحية للشمس، وقال الحسن: ليست من شجر الدنيا " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " اي زيتها من صفائه وحسنه يكاد يضئ من غير أن تمسه نار وتشتعل فيه. وقال ابن عمر الشجرة إبراهيم (ع) والزجاجة التي كأنها كوكب دري محمد صلى الله عليه وآله. وقوله " نور على نور " قيل: معناه نور الهدى إلى توحيده، على نور الهدى بالبيان الذي اتى به من عنده. وقال زيد بن أسلم " نور على نور " معناه يضئ بعضه بعضا. وقيل " نور على نور " معناه انه يتقلب في خمسة أنوار، فكلامه نور، وعلمه نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومسيره نور إلى النور يوم القيامة إلى الجنة. وقال مجاهد: ضوء النار على ضوء النور على ضوء الزيت على ضوء المصباح على ضوء الزجاجة. وقوله " يهدي الله لنوره من يشاء " أي يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء بأن يفعل له لطفا يختار عنده الايمان إذا علم أن له لطفا. وقيل: معناه يهدي الله لنبوته من يشاء، ممن يعلم أنه يصلح لها. وقيل: معناه " يهدي الله لنوره " اي يحكم بايمانه لمن يشاء، ممن آمن به. وقوله " ويضرب الله الأمثال للناس " معناه يضرب الله الأمثال للذين يفكرون فيها ويعتبرون بها " والله بكل شئ عليم " لا يخفى عليه خافية.