الآية 31
قوله تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر (غير اولي الإربة) نصبا. الباقون بالجر. وقرأ ابن عامر (أيه المؤمنون) بضم الهاء، ومثله (يا أيه الساحر) (1) و (أيه الثقلان) (2). الباقون (أيها) بفتح الهاء مع الألف فيها. وكلهم وقف بلا الف إلا الكسائي، وأهل البصرة والزبيبي من طريق العطار، والمالكي، فإنهم وقفوا بألف. قال أبو علي: الوقف بالألف أجود، لأنها سقطت في الوصل لاجتماع الساكنين. لما امر الله تعالى الرجال المؤمنين في الآية الأولى بغض أبصارهم عن عورات النساء، وأمرهم بحفظ فروجهم عن ارتكاب الحرام، أمر المؤمنات في هذه الآية أيضا من النساء بغض أبصارهن عن عورات الرجال، وما لا يحل النظر إليه. وأمرهن ان يحفظن فروجهن إلا عن أزواجهن على ما اباحه الله لهم، ويحفظن أيضا اظهارها بحيث ينظر إليها، ونهاهن عن إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها. قال ابن عباس: يعني القرطين والقلادة والسوار والخلخال والمعضد والمنحر، فإنه يجوز لها إظهار ذلك لغير الزوج، فاما الشعر فلا يجوز ان تبديه إلا لزوجها. والزينة المنهي عن إبدائها زينتان، فالظاهرة الثياب، والخفية الخلخال، والقرطان والسوار - في قول ابن مسعود - وقال إبراهيم: الظاهر الذي أبيح الثياب فقط. وعن ابن عباس - في رواية أخرى - أن الذي أبيح الكحل والخاتم والحذاء والخضاب في الكف. وقال قتادة: الحذاء والسوار والخاتم. وقال عطاء: الكفان والوجه. وقال الحسن: الوجه والثياب. وقال قوم: كلما ليس بعورة يجوز اظهاره. واجمعوا أن الوجه والكفين ليسا بعورة، لجواز اظهارها في الصلاة، والأحوط قول ابن مسعود، والحسن بعده. وقوله " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " فالخمار غطاء رأس المرأة المنسبل على جبينها وجمعه خمر، وقال الجبائي: هي المقانع. ثم كرر النهي عن اظهار الزينة تأكيدا وتغليظا واستثنى من ذلك: الأزواج وآباء النساء. وإن علوا، وآباء الأزواج وأبنائهم، أو اخوانهن وبني اخوانهن أو بني أخواتهن، أو نسائهن يعني نساء المؤمنين دون نساء المشركين إلا إذا كانت أمة وهو معنى قوله " أو ما ملكت أيمانهن " أي ما الإماء - في قول ابن جريج - فإنه لا باس باظهار الزينة لهؤلاء المذكورين، لأنهم محارم. وقوله " أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال " قال ابن عباس: هو الذي يتبعك ليصيب من طعامك ولا حاجة له في النساء، وهو الأبلة. وبه قال قتادة وسعيد بن جبير وعطاء. وقال مجاهد: هو الطفل الذي لا أرب له في النساء لصغره. وقيل: هو العنين، ذكره عكرمة، والشعبي. وقيل: هو المجبوب. وقيل: هو الشيخ الهم. والإربة الحاجة، وهي فعلة من الإرب، كالمشية من المشي، والجلسة من الجلوس. وقد أربت لكذا آرب له أربا إذا احتجت إليه، ومنه الإربة - بضم الألف - العقدة، لان ما يحتاج إليه من الأمور يقتضي العقدة عليه، ولان الحاجة كالعقدة حتى تنحل بسد الخلة، ولان العقدة التي تمنع من المنفعة يحتاج إلى حلها، ولان العقدة عمدة الحاجة. وقوله " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء " يعني الصغار الذين لم يراهقوا، فإنه يجوز إبداء الزينة لهم. وقوله " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " معناه لا تضرب امرأة برجلها، ليعلم صوت الخلخال في رجلها، كما كان يفعله نساء أهل الجاهلية. وذلك يدل على أن إظهار الخلخال لا يجوز. ثم أمر الله تعالى المكلفين، فقال " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " أي لتفوزوا بثواب الجنة. ومن نصب (غير) يجوز أن يكون على الاستثناء، ويجوز أن يكون على الحال. ومن كسر جعله نعتا ل? " التابعين، غير " وإن لم يوصف به المعارف، فإنما المراد ب? (التابعين) ليس بمعين. وابن عامر إنما ضم الهاء ووقف بلا ألف في (أيه) اتباعا للمصحف. قال أبو علي: وقراءته ضعيفة، لان آخر الاسم هو الياء الثانية في أي، فينبغي أن يكون المضموم آخر الاسم ولا يجوز ضم الهاء، كما لا يجوز ضم الميم في قوله " اللهم " ولأنه آخر الكلام، وها للتنبيه، فلا يجوز حذف الألف بحال.
1- سورة 4 النساء آية 5.
2- سورة 43 الزخرف آية 49.